القارئات والقراء الأعزاء،
في الوقت الذي تستضيف فيه القاهرة الدورة الثانية عشرة للمنتدى الحضري العالمي، ويحتفل العالم باليوم العالمي للمدن، تتبلور تشكّلات جديدة للمشهد الحضري والسياسيّ والاجتماعيّ والإنسانيّ في معظم مدننا العربية؛ ونقصد بذلك التحولات الجذرية والناشئة التي طرأت بفعل الاضطرابات والصراعات الداخلية، وتحديات الاحتلال الإسرائيلي وتدخلات القوى الأجنبية.
ومحلّ عنايتنا بالمدن في قراءاتِنا لم يكن اعتباطيًّا؛ فقد تناولت مراجعاتنا، سابقًا، أوجهًا متعددة للمدن العربية، بدءًا بعدد "أن تمنحك المدينة حزنًا"، مرورًا بعدد "العودة إلى الديرة" الذي خصّصناه لمدن الخليج وشبه الجزيرة العربية، وصولاً إلى عدد "قاهرة بلا جناين" الذي وثّق التحولات العمرانية في القاهرة، وتجريف مساحاتها الخضراء، وهدم معالمها التاريخية.
استكمالًا لهذه المهمّة، نقدم هذا العدد الخاص لمدننا العربية، وخصوصًا لغزة التي تتصدّرُ أخبارُ دمارِها العناوين الرئيسية في العالم منذ أكثر من 394 يومًا. الدمار الذي تشهده غزة ليس جديدًا، لكنه بالتأكيد الأعنف مقارنة بالاعتداءات الإسرائيلية السابقة، التي وثّقها نورمان فنكلستين، في كتابه "غزة: بحث في استشهادها" مسلطًا الضوء على دوافع تلك الاعتداءات وتأثيراتها المدمرة على المدينة.
أما كتاب إيال وايزمان "أرض جوفاء: الهندسة المعمارية للاحتلال الإسرائيلي"، فيتناول استراتيجيات الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدف الحيز المكاني في الأرض المحتلة، وتسعى إلى تعزيز نفوذ الاستيطان من خلال التصميم المعماري وتخطيط المدن. ويسلط الضوء على سياسة "الحرب المدينية" التي نفذها الجيش الإسرائيلي في كل من نابلس ومخيم جنين إبان انتفاضة الأقصى.
إلى الشمال الشرقيّ في خارطة المدن العربيّة، حضرت دمشق في مراجعة كتاب "ضحايا الحرب والحق في المدينة: من دمشق إلى الزعتري" الذي تناولت فيه هند الشوبكي مفاهيم مثل "الحق في المدينة" و"إبادة المدن" و"المدينة المؤقتة"، كاستجابة لتحديات النزوح الجماعي، والحاجة إلى تخطيط حضري مستدام في أعقاب "الحرب الأهلية"، والإبادة الحضرية.
وعن الحكايات المسرودة في سِيَر المدن، نتعرف في "خرائط ممزقة: إعادة رسم حدود القاهرة" على سيرة مقتضبة لمدينة القاهرة من خلال قراءة لرواية وكتابين. ركزت هذه المراجعة على التفاعلات السياسية والاقتصادية وتعامل سكان المدينة وموقفهم من العولمة والسياسات النيوليبرالية، وأثر ذلك على التخطيط العمراني للمدينة، وعلى هُوية سكانها.
تقدم سارة القزاز في كتابها "السياسة عبر الشقوق: التصميم العمراني والأسواق العقارية في القاهرة وإسطنبول" تحليلاً لعالم التخطيط العمراني والتصميم في مدينتي القاهرة وإسطنبول، وتسلط الضوء على السياسات البديلة والاستراتيجيات المتبعة للحفاظ على التراث العمراني في مواجهة نفوذ الأسواق العقارية النيوليبرالية. من جانب آخر، يستعرض كتاب "التحولات في عمارة وعمران الأسواق التاريخية: نماذج من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" العلاقة المعقدة بين المجتمعات والعمارة والتخطيط العمراني في الأسواق التقليدية، مبرزًا دورها التاريخي في بناء وتشكيل هُوية المجتمعات وتراث المدن.
وبالانتقال إلى مدن الخليج العربية، يعدّ كتاب "التفحيط في الرياض: النفط والعمران وتمرد الطرق" للباحث الفرنسي باسكال مينوريه، نافذة على تطور مدينة الرياض في سياق الطفرة النفطية، مستعرضًا التأثيرات العمرانية والاجتماعية الناتجة عن تدفقات رأس المال منذ سبعينيات القرن الماضي. ويتناول الكتاب ظاهرة التفحيط كنتاج ثانوي للتحولات المدينية، مشيرًا إلى أن العنف على الطرقات هو شكل من أشكال العنف السياسي. ويقدم كتاب "التوسع المديني العربي الجديد: مدن الثراء والطموح والشقاء في الخليج" رؤية مغايرة لمدن الخليج بعيدًا عن التصورات السائدة، مسلطًا الضوء على حيويتها وخصوصيتها كمدن تسعى للتنمية بمسارات فريدة.
إن "وجه المدينة الآخر" يبعثُ فينا الأمل، لكنه يدعونا في الوقت ذاته لمواجهة قلق يفرضه الواقع، متسائلين: هل سنتمكن من حماية ملامح مدننا من الاندثار لتروي تاريخًا وذاكرةً نابضة؟ أم ستذوب هُوياتها في طموحات الحداثة وتحديات البقاء والصراع؟
دمتم بخير،
فريق تحرير الصالون