القارئات والقراء الأعزاء،
تسارعت وتيرة الأحداث التي تشهدها المنطقة مع امتداد حرب إسرائيل من غزة إلى لبنان منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وعادت سلسلة الاغتيالات إلى الواجهة بوصفها أداة رئيسية في السياسة الإسرائيلية، ضربت بها إسرائيل كعادتها عرض الحائط حدود القانون الدولي والأخلاق العسكرية. تأتي مراجعتنا لكتاب رونين بيرغمان "انهض واقتل أولاً: تاريخ إسرائيل السرّي لعمليات الاغتيال المستهدفة" لتسلط الضوء على هذه السياسة الممنهجة في تصفية قيادات سياسية مؤثرة وشخصيات أخرى فاعلة ترغب إسرائيل في وقف نشاطها، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي.
فلم يكن اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، واغتيال العديد من قادة حزب الله في الأشهر الماضية، ومنهم قائد الحزب حسن نصر الله، الذي كلف إسرائيل بحسب يديعوت أحرنوت 45 مليون شيكل (11.6 مليون دولار)، أمرًا مستحدثًا في السياسة الأمنية والعسكرية للكيان، بل له عمق بعيد ودوافع علنية وأخرى سرية في العقلية الإسرائيلية. فقد استهدفت سابقًا قادة حماس، مثل الشيخ أحمد ياسين (2004) وعبد العزيز الرنتيسي (2004) والمهندس التونسي محمد الزواري (2016) وغيرهم. لم تكتفِ إسرائيل باغتيال أعدائها السياسيين فقط، بل امتدت قائمتها لتشمل المقاومين من أدباء وفنانين، مثل غسان كنفاني (1972) والمسرحي الجزائري محمد بوديا (1973) ممن عدّتهم خطرًا على أمنها.
شهرت إسرائيل سلاح الاغتيالات في وجه الجميع، متّبعةً النهج الذي اتبعته أنظمة الاستعمار الكولونيالي في ملاحقة قادة حركات التحرر، بحيث تسعى إلى تصفيتهم جسديًا ووصمهم بـ"الإرهابيين." وقد استخدم بيرغمان هذا الوصف مرارًا في كتابه عند الحديث عن أهداف إسرائيل من العرب والفلسطينيين.
الكتاب الذي يستمد عنوانه من نص تلمودي يقول: "إذا جاء شخص ما ليقتلك، فانهض واقتله أولاً"، يكشف التداخل العميق بين العوامل الأمنية والسياسية والدينية لتبرير سلسلة طويلة من عمليات الاغتيال السرية التي طالت سياسيين وقيادات مقاومة وعلماء من جنسيات مختلفة على مدار عقود. يرسم بيرغمان، عبر أكثر من 700 صفحة، صورة شاملة لتاريخ الاغتيالات الإسرائيلية منذ ما قبل تأسيس الدولة وحتى عام 2017.
في هذا العدد، نسعى من خلال هذه المراجعة المطولة المقسمة إلى جزأين، إلى فهم أعمق للعقلية الإسرائيلية وآليات صنع القرار فيها، خاصة في ظل استمرار هذا النهج حتى يومنا هذا. فسياسة "الدفاع عن النفس" التي تتحجج بها إسرائيل، تحولت إلى أداة للسيطرة والردع، تتجاوز مجرد التصفية الجسدية لتصل إلى محاولة كسر الإرادة الجمعية للشعوب المقاومة. لكن ما يغفله هذا النهج، هو أن التخلص من القادة قد يضعف الحركات مؤقتًا، لكنه لا يقضي على الفكرة أو على المقاومة التي تتجدد، مع كل جيل، بعزم وإصرار أكبر كما يتضح من كتاب بيرغمان نفسه، الذي يرصد استمرار حركة حماس بعد الشيخ أحمد ياسين، وتحول دفة المقاومة من اليسار المتراجع وزنه إلى الإسلاميين، بل وامتداد دوائر المقاومة من المنظمات إلى المقاومة الشعبية التلقائية، التي تُعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية أبرز عناوينها.
نأمل أن تسهم هذه المراجعة في تقديم رؤية نقدية متعمقة لهذا الكتاب، وأن تفتح نافذة للفهم والتحليل في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه الخيوط.
لقراءة الجزء الأول بعنوان: "حين تكتب إسرائيل نهاية الآخرين."
لقراءة الجزء الثاني بعنوان: "من طهران إلى غزة مروراً ببيروت: المقاومة في دائرة الاستهداف."
دمتم بخير،
فريق تحرير الصالون