صدر كتاب "التفحيط في الرياض: النفط والعمران وتمرد الطرق" للباحث الفرنسي باسكال مينوريه في عام 2014، مُتخذًا التفحيط كممارسة شبابية في شوارع العاصمة السعودية كمدخل لدراسة العلاقة بين التفحيط وبنية المدينة وتاريخ تطورها السياسي والاجتماعي. وذلك عبر تتبع سرديات مختلفة للفاعلين في الرياض وما تكشفه عن المسارات المتنوعة التي يُنتَج بها الفضاء الحضري.
أحمد السروجي[1]
تركز أبحاث مينوريه[2] على التقاطعات بين البنية التحتية والتخطيط الحضري والبيئة والطاقة. ونفذ عدة أبحاث ميدانية في عدد من الدول العربية من ضمنها السعودية واليمن والإمارات. يتناول مينوريه في هذا الكتاب الصادر عن دار جامعة كمبريدج – وهي ثمرة مشروعه للدكتوراه – التفحيط باعتباره ممارسة شبابية ذات دلالات سياسية، والمفحطين باعتبارهم فاعلين سياسيين، باسطًا الخيط بين طبيعة هذه الممارسات الشبابية وعلاقتها بالنسيج المديني للرياض.
والتفحيط هو قيادة السيارة بسرعة عالية منزلقاً يمينًا ويسارًا، تاركة وراءها وابلاً من التراب والعفرة، ويتطلب هذا مهارة كبيرة في التحكم بالسيارة ومعرفة بقدراتها. وتباعًا، يمكن قراءة كتاب "التفحيط في الرياض" باعتباره نافذة على تاريخ تطور مدينة الرياض في سياق الطفرة النفطية عبر تتبع تدفقات رأس المال في مجال التطوير العقاري والتخطيط المديني منذ سبعينات القرن الماضي حتى بدايات القرن الحالي. تكتسب الرياض، عبر فصول الكتاب الست، شخصية مستقلة ويتحول التفحيط إلى نتاج ثانوي لها.
امتد عمل مينوريه الميداني من 2005 حتى 2009، ويستهل كتابه بطرح أسئلة تأسيسية: من هم هؤلاء المفحطون الذين يتحدّون المجال العام والملكية الخاصة؟ وما الذي يدفعهم إلى هذا النشاط الخطر؟ وكيف يمكن فهم ذلك في سياق الطفرة النفطية في السعودية؟ بهذا المعنى، يتيح الكتاب رؤية نقدية في آليات عمل الحداثة العمرانية ومشاريع البنية التحتية، منطلقًا من فرضية "إن كان العنف على الطرق نوعًا من أنواع العنف السياسي، فبالتالي قتلى الطرق هم أيضًا وفيات سياسية".[3] تتيح هذه المقاربة المزدوجة للتفحيط في الرياض إذًا النظر إلى تلك السيارات ودفعها إلى حدها الأقصى من قبل الشباب في أوائل ألفية القرن الحالي لكشف إحدى جبهات الصراع الاجتماعي في المجتمع السعودي. وقد طعّم مينوريه بحثه بحساسية لغوية حاولت تأطير القاموس الشبابي للتفحيط في إطار النقاشات والصراعات السياسية الأوسع في المجتمع السعودي آنذاك.
البحث الميداني عملية جدلية
في فصله الثاني وتحت عنوان "القمع والبحث الميداني"، يشير مينوريه إلى عدم تناول الأدبيات المختلفة لتحليل المجتمع السعودي أثر القمع في الفضاء العام بصورة جدية، محاججًا أن الممارسات القمعية ليست مجرد "مواضيع خطابية" للاستهلاك الإعلامي السياسي أو "أطراً" تحليلية لفهم ديناميكيات المجتمع السعودي. وتباعًا، يربط مينوريه قدرته على الولوج إلى النسيج الاجتماعي للمجتمع السعودي في سياق بحثه الميداني بأهمية فهم الممارسات القمعية باعتبارها ترسّم حدود الواقع السياسي، والتعاطي مع تحديات البحث الميداني باعتبارها في حد ذاتها نافذة لاستكشاف الطرق المختلفة التي يتفاعل معها السعوديون مع ممارسات القمع والمراقبة.
لا يغيب أبدًا عن مينوريه الاعتراف بموقعه كباحث فرنسي ينظر بعين تحليلية إلى مجتمع شرق أوسطي، وما يترتب على هذه العلاقة على المستويين النظري والعملي من دلالات وتحيزات ومواقع متشابكة، وفي أحيان كثيرة، متناقضة. فكيف إذًا لهذا "الفرنجي" - كما وصفه معارفه السعوديون – أن ينفض عن نفسه نظرات الريبة واتهامات العمالة؟ ومن هذه النقطة، ينطلق مينوريه لموضعة نفسه كباحث، واصفًا تطور مسار رحلة بحثه الميداني نفسها باعتبارها "عملية جدلية"، وطارحًا أسئلة جوهرية تتعلق بقدرة عمل دراسة إثنوجرافية في سياقات المجتمعات القمعية؛ مداها وأخلاقياتها وأشكالها والاستراتيجيات المتنوعة لإدارتها، وفرص إتمامها بالأساس.
تحيل كل هذه الظروف المقيدة مينوريه إلى تغيير استراتيجيته في بناء شبكة اجتماعية قادرة على الولوج إلى طبقات أعمق من المجتمع السعودي، فيفطن إلى أنه في سياق شديد القمعية كالداخل السعودي، "استدامة عملي الميداني مرتبطة بصورة متناقضة بالحد من عدد محاوري بدلًا من محاولة مضاعفته".[4] وهكذا، يتعرف على مفهوم "الشلة" ويغوص أعمق في وظيفتها الاجتماعية، حيث تصبح هذه المجموعات غير الرسمية أماكن أكثر أمانًا لانطلاق مبادرات وأنشطة جماعية في المجال العام. وهكذا، يبدأ مينوريه في إعادة رسم خريطته الاجتماعية، حيث الشلة هي الوحدة الاجتماعية الأولى لممارسة السياسة بمعناها العام والعميق.
الطَفش كعاطفة ثورية
وبعد بضعة شهور في وجوده بالرياض، شعر مينوريه بالإحباط والتخبط، وراودته شكوك جدية حول جدوى مسار بحثه وقدرته على إتمامه. أدرك مينوريه سريعًا أنه يجب النظر إلى هذه الفترات من الخمول والتوهان في حد ذاتها كجزء من رحلته البحثية، ورويدًا بدء ينتبه إلى أن مشاعره ليست استثنائية بالضرورة. يلتقط مينوريه بقدر عال من الحساسية اللغوية تعبير "طفش" عند مُحاوريه، والذين وضّحوا له أن الطفش ليس مرادفًا للملل.
وينبع الطفش – في تحليل مينوريه - من الفجوة والتوتر والإحباط الناشئ عن إدراك الشباب السعودي للمسافة بين توقعاتهم من المدينة وما توعدهم بتوفيره على المستوى الاقتصادي وبين قدرتهم الفعلية والمادية على اقتناص تلك الفرص في ظل غياب الواسطة أو رأس المال الاجتماعي المناسب لتحقيق ذلك. ويتجلى الطفش في اصطدام العديد من الوافدين إلى الرياض بحاجز زجاجي؛ المدينة موجودة ولكن تستعصي على الدخول إلى دوائرها والولوج إلى نسيجها الاجتماعي.
كيف يكون الطفش إذًا في هذا السياق عاطفة ثورية؟ يصاحب الطفش غضب مكبوت عند وعي المرء بحقيقة سهولة الاستغناء عنه من قبِل القوى الاجتماعية، ويؤدي ذلك إلى اختباره كنوع من التحرر والخفة. "الملل خاوي"، كما شرح أحد محاوري مينوريه، "بينما الطفش هو الذي يحركك لفعل أي شيء وكل شيء".
عنف الطرق عنف سياسي
يمكن تلخيص الحجة الأساسية للكتاب في تصريح مينوريه في المقدمة أن "عنف الطرق عنف سياسي"، ويشير المستوى الأول لهذه المقولة للعنف الذي نقابله كلنا في أثناء القيادة وما يقع تحت مظلتها من عنف لفظي بين السائقين وعنف صوتي من تزمير متواصل، وصولًا إلى عنف الحوادث وما ينتج عنها من تدمير للسيارات وإصابة الأجساد حتى إزهاقها. أما المستوى الثاني من المقولة يرمز إلى العنف البنيوي الذي يتضمنه بناء طريق والمتمثل في عملية تكسير أوصال شبكات الحياة المتنوعة لإعادة هندستها معماريًا وسفلتة المساحات العامة. إذ يتطلب بناء الطرق عملية مستمرة من قطع لشبكات الحياة الاجتماعية للبشر القاطنين في مرمى هذا المشروع وتهجيرهم إلى مناطق أبعد، بصورة تزيد تهميشهم الاقتصادي والاجتماعي. ويتضمن ذلك أيضًا قطع وإعادة توجيه لشبكات متنوعة من حيوات الحيوانات في البرية، وبهذا المعنى، لعنف الطرق بُعد بيئي، على المستوى الإنساني والحيواني.
رجوعًا لمقاربة مينوريه، فإن عنف الطرق عنف سياسي؛ لأن التواجد في المجال العام بمعناه الأول والمباشر هو دائمًا تواجد سياسي في فضاء تتنازع عليه قوى مختلفة ويُمارَس فيها درجات متنوعة من الهيمنة. فالدولة في مفهومها الحديث والكلاسيكي المعاصر هي المنوط بها إحلال وتأكيد الأمان والسيطرة على الفضاء العام. وتباعًا، يصبح الاستثمار في توسيع الشبكات المرورية مشروع سياسي بالمقام الأول، والسائقون في هذا المنظور فاعلون سياسيون.
المفحطون باعتبارهم فاعلين سياسيين
لا ندرك كقراء أن مينوريه لم يجلس فعليًا مع مفحطين - إلا ما ندر - حتى أواخر الكتاب، إذ اعتمد بالأساس على عدد متنوع من المصادر الثانوية منها فيديوهات ومواقع تُوثّق ممارسة التفحيط، ومن خلال شبكة من المعارف المشتركين مع مفحطين. ويعزو مينوريه ذلك إلى أن المفحطين لا يريدون بالضرورة الحديث عن ممارساتهم لأسباب أمنية، كما أنه حتى عندما جلس أخيرًا مع بعضهم، لم يكن حديثهم بالضرورة يضيئ جديدًا، وكان عمليًا أفضل ما يمكن فعله مراقبة وتأمل تفحيطهم باعتباره التعبير الأمثل عن ممارستهم.
لا يكتفي إذًا مينوريه بالربط بين التفحيط كممارسة وُجدت شروطها في البنية التحتية لتطوير مدينة الرياض فحسب، بل يستفيض في تحليل كيف سمحت هذه المقاربة من كشف موقع المفحطين من ديناميكيات الفضاء العام السعودي، وتباعًا التفحيط باعتباره ممارسة سياسية. إذ مَرّت عملية تسييس التفحيط بمرحلة أولى قادها مجموعة من خبراء الدولة، ورجال دين، وعلماء النفس والاجتماع. وردًا على تجريمهم، اكتسب التفحيط لدى ممارسيه بُعدًا سياسيًا في حد ذاته.
يعزو أيضًا مينوريه أهمية النظر إلى التفحيط كممارسة والمفحطين كفاعلين سياسيين إلى التزامه البحثي بضرورة إعطاء صوت للهامش. الهامش هنا موقف تحليلي؛ ففي مقابل تصورات الطبقة الحاكمة السعودية والمستثمرين عن تطور الرياض كمدينة وكمركز للحكم، يظهر المفحطون في هذا المشهد باعتبارهم فئة تحاول إعادة التفاوض على حقهم في المدينة، هذه المرة من الأسفل، مناقضة للتصورات المرسومة سلفًا والهابطة من فوق على واقع قاطني المدينة، بدون مساءلة أو نقاش أوسع.
الرياض كنموذج لمدينة المستقبل
يشير مينوريه إلى أن خطة تطوير مدينة الرياض صُممت بين 1968 و 1972، من قِبَل المهندس المعماري والمخطط الحضري اليوناني دوكسياديس، ويمكن تتبع فلسفته في التخطيط العمراني من خلال مشروعه الأكبر في بناء مدينة إسلام آباد،[5] والموصوفة آنذاك "مدينة المستقبل"، والتي اعتمدت على تبني فكرة الحركة بدلًا من مكافحتها، واستبدال المدينة المبنية حول المحاور "The city around the loop" بالمدينة على الطريق السريع "The city along the motorway"، وكان التصور أن تخطو السعودية في ذلك على المنوال نفسه.
ونُشرت المسودة الأولى من خطة دوكسياديس في 1971، قبل سنتين من الطفرة النفطية في عام 1973، وأثارت حينذاك جدلًا سياسيًا عنيفًا بداخل أروقة البلاط الملكي، وفي عموم المجتمع السعودي. وبعد مراجعتها واعتمادها بعد الطفرة النفطية، شكلت خطة دوكسياديس اللبنة الأولى لتطوير الرياض، موفرة التصورات الأساسية لتنظيم فضاء المدينة الحداثية المُستوحاة من لو كوربوزييه أن المدن الناجحة مبنية لأجل حركة مرور سريعة.[6]
وهكذا يسرد مينوريه قصة تحول الرياض من مدينة مرحبة بالمشاة إلى مدينة ضواحي مفتوحة الأفق ومتمركزة حول السيارة كأداة للتنقل، وهي قصة شارك في تشكيلها أمراء من العائلة المالكة وخبراء تخطيط حضري ورواد أعمال على حد سواء. وعبر سرده لقصة تحول الرياض، يضع مينوريه سردية الدولة السعودية محل نقد، مستعرضًا إلى أي مدى كانت عملية سريعة الوتيرة تخللها صراعات وحالات طرد وتهجير.
التخطيط الحضري كأداة للاحتواء الاجتماعي
في دوره كمخطط حضري، انصب اهتمام دوكسياديس على الهجرات الريفية وأثرها السياسي على التطوير الحضري السريع، مُروجًا لنوع من التطوير الحضري القائم على الاحتواء؛ احتواء الهجرات الريفية للمدن وما سينتجه ذلك من سعادة لقاطنيها. في سياق هذه الرؤية، التطوير الحضري سيمنع أي اضطراب مديني عن طريق رفع مستوى المعيشة، خالقاً بذلك بيئة تشجع على تطور الاقتصاديات الاستهلاكية. ومِثل كثير من مشاريع التطوير العمراني، تطوير الرياض بدأ بفصل من الطرد والتهجير، تحديدًا حوالي 60 ألف بدوي، في مدينة كان مجمل سكانها 300 ألف نسمة آنذاك، أي أن المشروع كان يرنو عمليًا إلى تهجير خُمس سكان الرياض.
ومع أن أدبيات الإدارة البيروقراطية السعودية حينها كانت تشير باستمرار لهؤلاء المُهَجَّرين باعتبارهم "بدو"، كان معظمهم من قاطني العشوائيات، أي تحديدًا في تلك الأماكن التي كان مقدرًا لها ارتفاعًا ملحوظًا في قيمتها العقارية بعد التطوير. وبهذا المعنى، يستشف مينوريه أن وصف "بدوي" في هذه الأدبيات كانت تُستخدم للإشارة إلى الآخر غير المرغوب فيه وغير الجدير بالثقة. وهكذا برز ما أصبح يُعرف باسم "سياسات تطوير البدو"، وهو تعبير آخر للإشارة إلى طرق الإدارة السياسية المتنوعة التي استخدمتها الدولة حينها لتحويل هؤلاء إلى مواطنين منتجين. وانتهت جولات المفاوضات بين فريق الخبراء والإدارة السعودية بتهجير سكان العشوائيات من مركز المدينة وتوطينهم مرة أخرى على هامشها الجغرافي. وهكذا جرى التعامل مع سكان العشوائيات باعتبارهم كتلة يمكن بكل بساطة تحريكها والاستغناء عنها، ولكن أسس ذلك أيضًا للتخطيط العمراني كممارسة وطريقة لإدارة السكان.
تنمية أم طفرة؟
حوّلت التنمية متسارعة الوتيرة الفضاء المديني في الرياض إلى مجال ضاغط على المستوى اليومي، وهو ما وصفه أحد محاوري مينوريه بأنه "استكلاب" (من كلب)، فبدلًا من أن يكون التمديّن مرادفًا للتطوير، أصبحت نوعًا من البريّة التي يسعى الناس إلى الفرار منها. يشرح مينوريه كيف صاحبت – في منتصف الثمانينات – الطفرة النفطية طفرة عمرانية، وهي التي بدورها تحولت لطفرة عقارية، مدعومة بقروض حكومية. وهكذا، تحول مجال التطوير العقاري لأداة قوية في يد البلاط الملكي السعودي لإعادة توزيع عائدات الطفرة النفطية.
وبينما أشار المواطنون السعوديون إلى ما حدث بعد عام 1973 باعتباره طفرة، تحدثت الحكومة عن تنمية. وبينما تشير الطفرة إلى قفزة مفاجئة من حال لآخر، تبدو التنمية في أدبيات التحديث الحكومية سردية أكثر انضباطًا وحكمًة، باعتبار الأخيرة أحد الشواهد على حسن إدارة موارد الدولة. ولم يتوقف التباعد بين سردية المواطن والحكومة عند هذا الحد؛ حيث توقعت الأخيرة من المواطنين استهلاك الحصة المخصصة لهم من مساحات وحركة في شكل سكن باهظ الثمن وسيارات مستوردة بصورة سلبية، ولكن بدلًا من ذلك، وبداخل الفضاء المديني الذي قام بهندسته الأمراء والمستثمرون والمُطورون، أنتج الناس العادية فضاءً آخر، يشير إلى جغرافيا مغايرة للقوة في العاصمة، واحدة تتعطل فيها فعالية الشرطة، حيث تنقلب المساحة الوظيفية للمجال العام رأسًا على عقب.
ما يكشفه التفحيط عن الرياض
ليس التفحيط ممارسة استثنائية في شوارع المدن العربية، وعُرف في دول الخليج بأسماء مختلفة من قبيل التخميس والتشبيح والملطشة والتلطيش والتهييس. وُلد التفحيط إذًا في السعودية بعد الطفرة النفطية في عام 1973، ولم يكن ليزدهر لولا شبكة الطرق الهائلة والاستيراد الضخم للسيارات الخاصة، المدعوم بثراء عوائد النفط وأفكار الاقتصاد الحر حول التخطيط العمراني والبنية التحتية. ومع ذلك، لم يأخذ في أي مكان آخر المدى الذي اتخذه في الرياض، وتشير نتائج البحث الميداني لمينوريه أن غالبية المفحطين هم شباب تتراوح أعمارهم بين 15 و 35 سنة، وأتوا من تلك الأحياء تحديدًا الأكثر تأثرًا بزيادة المهاجرين من الريف والبدو والبدون. وركز مينوريه في بحثه على مجموعتين من المفحطين، كلاهما من البدو.
يحاجج مينوريه أن التفحيط منتج ثانوي لسوق العقارات بعد أن تغلب المطورون على خطة دوكسياديس، وبنوا ضواحي في الصحراء، بعيدًا عن أيدي المخططين الحضريين والشرطة. وبذلك حوّل التفحيط القطع العريضة من الأراضي المهجورة في شوارع الرياض من كونها علامة على التراكم الرأسمالي إلى تعبير عن الوقت المهول في أيدي الشباب العاطلين. وبذلك أصبح طريقة لتعلم جغرافيا المدينة وتضاريسها الجديدة، وبينما وُلد من رحم مشاعر الطفش، كان هو في حد ذاته طريقة لمحاربته. بينما نزع التطوير السياسة من الحياة اليومية لسكان الرياض، كان التفحيط طريقة لحقن تلك المساحات الشاسعة بنوع من المواجهة مع السلطات. أو كما عبر أحد محاوري مينوريه شارحًا دوافعه للتفحيط "أين تريدنا الذهاب؟ ليس لدينا إلا طرق وسيارات".