القارئات والقراء الأعزاء،
عند دراسة الدولة في سياقها العربي، لا يكفي استحضار المفاهيم العامة أو النماذج المستندة إلى التجارب الغربية، بل تقتضي الضرورة البحثية أن نُدرجها ضمن خصوصية تشكّلها التاريخي والاجتماعي. ففهم الدولة وتحليل التغيرات السياسية والاجتماعية يتطلب العودة إلى البنى التي نشأت فيها، واستيعاب التفاعلات المعقدة بين مستويات التطور القومي المحلي وبين الأطر الاقتصادية والسياسية العالمية المتبدّلة. على هذا الأساس، لا تبدأ دراسة الدولة من فراغ، بل من تراث فكري طويل نظر في تنظيم الشأن العام، منذ تصوّرات أخلاقية طوباوية تعود إلى أفلاطون، وصولًا إلى تنظيرات هوبز وروسو ولوك وهيجل وميكافيلي، الذين ارتبطت أطروحاتهم بسياقات مجتمعية وتاريخية خاصة مهّدت لنشوء الدولة الحديثة في أوروبا. غير أن هذه الشروط لم تكن نفسها في السياقات العربية، حيث ظهرت "الدولة القومية" في خضم تركة استعمارية ثقيلة، وسرعان ما باتت الإطار السياسي الوحيد المعترف به دوليًا، والضامن للسيادة والشرعية ضمن نظام عالمي موحّد، أطاح ما سبقه من أنماط سياسية واجتماعية تقليدية. ومن ثمّ، فإن فهم الدولة في السياق العربي لا يكتمل دون العودة إلى الأدبيات التي تناولت مفهوم الدولة كما تشكّل في هذه المنطقة، والوقوف على الكيفيات التي أُعيد فيها تأطير المفهوم ليواكب تعقيدات التجربة العربية الحديثة.
خضع الوطن العربي لهيمنة استعمارية امتدّت لعقود طويلة، تجاوز في بعض أجزائه قرنًا من الزمن، ورافقتها محاولات مكثّفة للسيطرة على الجغرافيا وإعادة تشكيلها وفق مصالح القوى الاستعمارية. وقد تكرّست الحدود السياسية الأولى في ظل هذا السياق، لتبقى حتى اليوم شاهدة على ذلك الإرث، بوصفها جزءًا من هندسة استعمارية لم يكن هدفها بناء دول ذات شرعية قومية، بل تفتيت المنطقة إلى كيانات منفصلة تُسهّل الهيمنة عليها. فلم تنبثق "أجساد" الدول العربية من سياقات قومية متماسكة أو تطلّعات شعوبها، بل تشكّلت في الغالب وفق ترتيبات خارجية فرضتها اتفاقات ومعاهدات بين الدول الاستعمارية الكبرى، التي تقاسمت العالم العربي خدمةً لاستراتيجياتها في السيطرة والنفوذ. وقد أدّى ترسيخ هذه الحدود الإدارية والسياسية إلى فرض التصوّر القطري كأمر واقع، بل كأساس للتعامل البيني بين الأقطار العربية، في ظل انسداد أي أفق لتجاوز تلك الحدود ضمن الحسابات السياسية الداخلية أو في ميزان العلاقات الدولية. ومع مرور الزمن، أسهم هذا الواقع في إعادة تشكيل التوازنات والقوى الاجتماعية داخل كل قطر، على أسس السلطة والدولة الحديثة الناشئة، كما يشير برهان غليون في كتابه "المحنة العربية: الدولة ضد الأمة". وهكذا، تحوّل الصراع مع الاستعمار إلى صراع على سيادة الدولة القطرية ذاتها، التي كانت، في مفارقة لافتة، من أبرز منتجاته. ومنذ ذلك الحين، تواصل الدول العربية، التي رُسمت حدودها بخطوط اعتباطية، سعيها لإثبات سيادتها والحفاظ على تلك الحدود باعتبارها ضمانًا لبقائها السياسي ضمن نظام دولي موحَّد.
تُعدّ الدول العربية، شأنها شأن العديد من بلدان الجنوب العالمي، حديثة النشأة والاستقلال، إذ لا يتجاوز عمرها ثلاثة أجيال. لكن حداثة التكوين هذه لا تعني خفّة في الحِمل، بل على العكس، فهي تنوء بثقل المواريث، كما يعبّر عبد الإله بلقزيز في كتابه "الدولة والمجتمع"، وتحديدًا مواريث الدولة السلطانية التقليدية المتجذّرة في التاريخ الوسيط. هذه المواريث لم تُمحَ من البنية السياسية العربية، بل ما تزال تحكم مضمون الدولة الحديثة بعلاقاتها القهرية والتقليدية مع "الرعية".
في السياق نفسه، يرى عبد الله العروي في كتابه "مفهوم الدولة" أن الدولة العربية، في صورتها الراهنة، ليست إلا إعادة إنتاج للدولة السلطانية بصيغٍ محدثة. فهي وإن تبنّت بعض أدوات التنظيم الحديث، فإن بنيتها العميقة لا تزال مشدودة إلى أنماط الحكم القهري. وينطلق عدد من المفكرين من هذه الفرضية ليؤكّدوا أن الاستعمار لم "يخلق" الدول العربية خلقًا، بل اضطلع بمهمّة إعادة تشكيل الكيانات القائمة وفقًا لمصالحه، باستثناء حالات نادرة كالتي شهدها الهلال الخصيب. فقد اضطُرّ الاستعمار، في مواضع عدّة، إلى التفاوض مع بنيات سياسية محلية قائمة، كما في حالة جبل لبنان الذي حكمته إمارة محلية لأربعة قرون، أو في مصر والسودان والمغرب، حيث كانت الدولة التقليدية حاضرة وإنْ بحدود مختلفة. لكنّ الهيمنة الاستعمارية لم تتوقف عند رسم الحدود أو ترسيخ الكيانات، بل عملت أيضًا على تعزيز تشظّي الاجتماع السياسي العربي عبر توظيف الولاءات الدينية والطائفية والمناطقية، مما مهّد لاحقًا لإعادة إنتاج بنية "المجتمع العصبوي". هذا المجتمع، كما يلاحظ بلقزيز، يتحوّل حين تترسّخ فيه الانتماءات الضيقة إلى كيانات مؤسسية مغلقة تعيق نشوء وطنية جامعة، وتغدو بمثابة "دول مصغّرة" داخل الدولة. في هذا السياق، يتولّد الجدل حول العلاقة بين المجتمع والدولة، وهي علاقة لا يمكن اختزالها في الثنائية الساذجة التي تصوّر الدولة على أنها كيان قمعي وتسلّطي، معادٍ للمجتمع والشعب والأمة، في مقابل مجتمع مقاوم يُمثّله "المجتمع المدني".
يُنبّه عبد الإله بلقزيز إلى أنّ مثل هذا التصوّر يُغفل حقيقة أساسية، وهي أنه لا وجود لمجتمع مدني من دون دولة حديثة، كما يُخطئ في استخدام المفهومين خارج سياقهما الحداثي الغربي. ويضيف أن الخطر لا يكمن في فسيفساء المجتمع العربي، بل في تحوّل هذه الفسيفساء إلى كيانات طائفية وعشائرية مغلقة تتقاسم السلطة على أساس المحاصصة، مما يقضي على إمكان تشكّل وطن جامع ودولة جامعة. وتُكرّس الدولة ذاتها هذا التكوين العصبوي، لا عبر القمع وحده، بل أيضًا من خلال آليات التعليم، وتشكيل الأحزاب، وشرعنة الهويات ما دون الوطنية باسم التعدّدية أو الحريات. ويُبنى النظام السياسي حينها وفقًا لمقتضيات المحاصصة الطائفية والعائلية والعشائرية، وهو ما يثير الإشكال في إسقاط النموذج الحداثي للدولة على واقع مغاير، ومحاولة تطبيقه تشبّهًا بتجارب غير عربية. وهكذا، تكون المحصّلة هي "إعدام السياسة"، إذ يُفرَّغ المجال العام من مضامينه، ويُمنع الحراك الاجتماعي من التعبير عن نفسه سياسيًا، ويُختزل الفعل السياسي في الولاء والطاعة. ومن ثمّ، تُصبح صورة الدولة في الوعي الجمعي مرادفةً للقوة والشدة والقهر، لا باعتبارها تجسيدًا للصالح العام، تبعًا لممارسات الحكم السائدة في الوطن العربي.
أما نزيه الأيوبي، فيقدّم في كتابه "تضخيم الدولة العربية" أحد أكثر المفاهيم التحليلية نفاذًا في فهم الدولة العربية، من خلال ما يُعرف بمفهوم "تضخيم الدولة". يقوم هذا المفهوم على مستويين نظريين مترابطين: يركّز أولهما على اتّساع حضور الدولة داخل المجال العام وتوغّلها في القطاعين الحكومي والخاص، بما يُقارب أطروحة حمزة علوي عن "الدولة مفرطة النمو"، كما وردت في مقالته المعنونة بـ"الدولة في مجتمعات ما بعد الكولونيالية: باكستان وبنغلادش"، لا سيما في العقود الأربعة الأخيرة. أمّا المستوى الثاني، فينطوي على مفارقة أساسية: فرغم هذا التمدّد الظاهري، يرى الأيوبي أن الدولة العربية ليست قوية بالمعنى البنيوي، إذ تفتقر إلى القواعد المؤسِّسة التي تُستمدّ عادة من السياقات السوسيوتاريخية. وهي أيضًا ضعيفة الهيمنة بالمعنى الغرامشي للكلمة، وتفتقر إلى القدرة على النفاذ الأيديولوجي الفعّال في المجتمع، بحسب تصنيف مايكل مان. لهذا، يقترح الأيوبي توصيف الدولة العربية بوصفها "تشاركية"، تتحرّك بين نموذجين: نموذج التنظيم الشعبوي التعبوي كما في الحالة المصرية، ونموذج "العضوية التضامنية" كما في الحالة السعودية. ويُسهم في فهم هذا النمط من "التشاركية" ما يطرحه الأيوبي من مفهوم "التمفصل"، الذي يسلّط الضوء على العلاقة المعقدة بين أنماط الإنتاج الرأسمالي وما قبل/غير الرأسمالي، والتي ما تزال متجذّرة في البُنى الاجتماعية العربية. ففي ظلّ تأخر تشكّل نمط الإنتاج الرأسمالي، ازدادت درجة تدخل الدولة في المجتمع، وبرزت أنماط اقتصادية تقليدية مثل "الجزية" و"الأتاوة"، أعاقت تراكم رأس المال، وأبقت الاقتصادات المحلية في حالة تبعية للعالم الخارجي.
يركّز الأيوبي على ثمانينيات القرن العشرين بوصفها لحظة مفصلية في التحوّل الفكري نحو الدولة القُطرية، بعد انحسار المد القومي والإسلامي الذي كان يطغى على المشهدين السياسي والفكري. ويُظهر أن دخول الدولة القُطرية إلى حقل النقاشات النظرية كان متأخرًا نسبيًا، ويعكس تعقيدات النشأة والتحوّلات العنيفة التي رافقت تشكّلها في العالم العربي.
من المعضلات التي تعترض دراسة الدولة العربية، تمزّق الانتماءات وتعدّد دوائر الهوية. فالنزوع القومي العربي، والنزعة الإسلامية الشمولية، يتجاوزان حدود الدولة القُطرية، ويوجّهان المواطن العربي نحو انتماء كليّ يتعالى على الدولة الوطنية. في المقابل، تبرز اتجاهات محلية ضيقة، طائفية أو مذهبية أو إثنية أو عرقية، تشدّ الأفراد نحو "الجزء"، فتضعف من مكانة الدولة بوصفها إطارًا جامعًا. وبين هذين الاتجاهين، الشمولي والمحلّي، يتولّد نوع من الانفصام في الهوية والانتماء، ينعكس سلبًا على شرعية الدولة وبنيتها الرمزية.
يُعدّ التاريخ عنصرًا أساسيًا في بناء الأمم وتشكيل هويتها، ما يفرض على المؤرّخ مسؤولية التحرّر من الانحيازات القومية والانزلاقات الأيديولوجية. وفي هذا السياق، يشير جيرار نوريل في مداخلته حول "البناء التاريخي للأمة"، الواردة في كتاب "ما المجتمع؟"، إلى أنّ تداخُل التأملات الهويّاتية مع التحليل التاريخي قد يُعيد إنتاج سرديات قومية متخيّلة. ومع ذلك، تبقى مصادر دراسة تشكّل الدولة القومية العربية محدودة، خاصةً في حالة المغرب العربي، كما يؤكد ديفيد ستينر في كتابه "عولمة المغرب".
تختلف البُنية السياسية وقاعدة السلطة الشرعية ما قبل الاستعمار في العالم العربي، بين سلطة دينية مثل اليمن وعُمان، وتحالف الدين والغلبة كما في السعودية، وأنظمة السلطة التقليدية العرضية في الخليج البعيدة عن الظهور الصريح للعامل الديني كما في الكويت والبحرين وقطر، وحكم الأقلية البيروقراطية في مصر وتونس والجزائر. وقد أدى تحرك الأقلية العسكرية إلى نشوء الدولة القومية في بعض الحالات، كما في مصر، حيث انقسمت النخب السياسية بين دائرة الأحزاب العقائدية ودائرة الزعامات التقليدية ذات النفوذ المحلي الموروث كما يشير فؤاد الخوري في كتاب "العسكر والحكم في البلدان العربية".
يرى الخوري أن آليات الانتساب إلى الأحزاب قامت بهدف التغيير الاجتماعي والاقتصادي، وحملت معها أهدافًا تثقيفية، مما أفقدها القدرة على اجتذاب "الجماهير" وعدم القدرة على التعبئة، كما حدث مع حزب البعث السوري، الذي ابتعد عنه "القطاع العملي" من العمال والزراعيين والحرفيين والتجار، واقتصر على "القطاع المجرد"، والذي تألف من الطلاب والضباط والأساتذة وموظفي الدولة.
أما الدائرة الثانية، فتألفت من تحالفات آنية حول قادةٍ يسيطرون على فرق حزبية معيّنة. ومع بروز الدولة الحديثة، وتسارع وتيرة النزوح إلى المدن، وبناء مؤسسات الدولة الوطنية، أدّى ذلك إلى فصل أهل الودّ والولاء الشخصي عن الزعماء التقليديين، مما أضعف زعامتهم السياسية. في خضمّ هذه التغيرات، أصبح ضابط الجيش سادّاً لهذا الفراغ بين أهل الريف ومؤسسات الدولة، وبمجرد تخلّي السياسي التقليدي عن دوره، يأتي الضابط ليحلّ محله. ويرى أن العسكر في البلدان العربية لم يتمكنوا من إيجاد صيغة أو أيديولوجيا واضحة للدولة أو للنظام السياسي، بالرغم من قيامهم بالثورة وسيطرتهم على الحكم لفترات طويلة.
ولهذا السبب، وقع العسكر في فخّ السياسة التقليدية، كما حدث في فترة حكم جمال عبد الناصر. ويعكس ذلك تشابك الأدوار المدنية والعسكرية داخل الأنظمة التقليدية؛ فالعسكري يسعى للتحكم بمصادر النفوذ المدنية، وبالمقابل يحاول المدني توجيه العسكري لخدمة مصالحه. هذا التشابك، الذي لا وجود له في النموذج الغربي، يجعل النموذج العربي مشوهاً، ولا يجوز إسقاطه على الواقع العربي. وتُعزى قلة الانضباط المؤسسي لدى الجيوش العربية إلى هذا التشابك، وعدم الفصل التخصصي بين المجالات المدنية والعسكرية كما هو الحال في النماذج الغربية.
هذا التشابك، الذي لا وجود له في النموذج الغربي، يجعل النموذج العربي مشوهًا، ولا يجوز إسقاطه على الواقع العربي. وتُعزى قلة الانضباط المؤسسي لدى الجيوش العربية إلى هذا التشابك، وعدم الفصل التخصصي بين المجالات المدنية والعسكرية كما هو الحال في النماذج الغربية.
وعلى المستوى الثقافي والسياسي، شهدت مرحلة ما بعد الاستعمار صراعًا جديدًا هدفه التخلص من ادعاء الاستعمار بامتلاكه نزعة تحديثية. ومن أبرز التغيرات التي أحدثها الاستعمار الفرنسي في البنية الاجتماعية المغربية، محاولته فرض اللغة الفرنسية على حساب اللغة العربية. وكانت أولى آليات التحرر من الهيمنة الاستعمارية هي عملية التعريب، التي سادت في البلدان المغاربية التي حققت استقلالها.
في هذا السياق، يشير محمد الهرماسي، في كتابه "المجتمع والدولة في المغرب العربي"، إلى أن مرحلة ما بعد الاستعمار شهدت تأسس تمركز الدولة الوطنية، والتفاف الشعب حول هوية عربية وإسلامية "وطنية" في الجزائر، و"إسلامية أساسية" في المغرب، في حين تميّزت تونس بانفتاحها على الغرب، مع المحافظة على تيار التعريب.
ومن الأزمات التي رافقت مرحلة ما بعد الاستعمار، ما تمثّل في تغييب دور الجماهير العربية وفعلها الاجتماعي في التغيير، ضمن بنى ديمقراطية أُقيمت في تحالف وثيق مع الإمبريالية والقوى القُطرية التابعة لها، كما بيّن مسعود ضاهر في "الدولة والمجتمع في المشرق العربي". وقد ظهرت نماذج تحديثية، أو محافظة، أو توفيقية، لكن على اختلافها، ظل هدفها الأساسي يتمثل في تحقيق السيادة القُطرية، وترسيخ انتماء أبنائها إلى ثقافة عربية لا فرنسية، كما ناقش المنصف وناس في كتابه "الدولة والمسألة الثقافية في المغرب العربي". واتسمت معظم الدول العربية باتخاذ النموذج الديمقراطي لتكوين الجمهوريات، مع استمرار الممالك في التمسك بخلفيتها الدينية الأبوية، وحرصها على المحافظة على صورة الأصول والأنساب، مما دلّ على تحوّلها نحو السلطوية، بالتوازي مع عملية التمركز القومي.
وفي خضم هذه التحولات البنيوية والثقافية، يقدّم كتاب "فهم الدولة العربية" قراءة شاملة لأحدث المقاربات النظرية التي تناولت تشكّل الدولة في السياق العربي. ينطلق الكتاب من عدسة تاريخية، سياسية واجتماعية، ليحلّل التكوين المعقّد للدولة عند تقاطع التقاليد المحلية مع النماذج الغربية التي فرضها الاستعمار. ويركّز على العلاقة الملتبسة بين الدولة والمجتمع، حيث تغلب أدوات القمع والمراقبة على وظائف التنمية والخدمة، وتتقدّم أولوية "بقاء النظام" على حساب بناء مؤسّسات فعالة.
وبين ضغوط الخارج وإرث الداخل، ظلّت الدولة العربية تتأرجح بين منطق السيادة القُطرية ومنطق التبعثر الهوياتي، عاجزة عن تجاوز القطيعة التاريخية بين الأمة والدولة. من هنا، يأتي هذا العدد من الصالون بالشراكة مع الشبكة العربية للعلوم السياسية، ليطرح أسئلته الجوهرية حول مفهوم الدولة العربية، ويعيد مساءلة بنيتها وشرعيتها، ليس من موقع نقدي فحسب، بل من موقع بحثي يسعى إلى تخطي مأزق اللحظة، والبحث عن إمكانات جديدة لبناء الدولة بوصفها عقدًا جامعًا، لا غلبة فيه لماضٍ سلطوي، ولا استنساخ فيه لنموذج خارجي مفروض. فهل يمكن، حقًا، تشييد دولة وطنية جامعة في ظل الاستقطاب الطائفي، والتبعية الاقتصادية، والتجاذبات الإقليمية؟ وهل يملك المجتمع العربي، بما فيه من تيارات إسلامية وقومية وعلمانية، القدرة على صياغة عقد اجتماعي جديد؟ أم أننا، كما يقول نزيه الأيوبي، ما زلنا نعيد تمثيل الدور نفسه "لكي يرانا اليانكيز"؟
دمتم بخير،
ياسمين قعدان