القارئات والقراء الأعزاء،
نستعيد معكم في هذا العدد مشهدًا اتخذ لنفسه مكانًا في الذاكرة الجمعية؛ مذيع الأخبار التونسي محمد كريشان يظهر عبر الشاشة، يختنق في عبرته، معلنًا تقدم الدبابات الأمريكية وسط بغداد وسقوط المدينة.
مشهد مهيب نقلته الشاشات سرّب مرارة الهزيمة لكلّ عربيّ يجلس من خلف الشاشات. اثنان وعشرون عامًا وصوت المذيع وأشكال الدمار، وذاكرة تأبى التجاوز والنسيان.
في التاسع من أبريل/ نيسان 2003، لم تسقط مدينة فحسب، بل تجدد مع سقوطها وعي أمّة بأكملها، وفتح جيلٌ جديد صفحة قاسية من الدمار والخذلان. يومٌ ليس له أن يمرّ دون أن يعود بمن شهد تلك اللحظات، لا بوصفه ذكرى، ولكن بكونه جرحًا مفتوحًا يذكّرنا من أين كانت البداية، مع كل حدث جديد في هذه المنطقة التي لا تعرف الهدوء.
بعد أكثر من عشرين عامًا من "اكتمال المهمة"، لا يزال العراق يبحث عن طريق العودة. وكما غنّى سعدون جابر في أغنيته "عشرين عام"، التي حملت وجع التذكر، فإنّ عدّاد السنوات ما زال دائرًا. نستعيد بعضًا من أثر هذا اليوم على الثقافة والوعي، من خلال مراجعات لكتب وروايات تتلمّس صدمة تلك اللحظة من زوايا مختلفة: فيقدم كتاب "رجل الله في العراق" للباحث سجاد جياد قراءة في دور المرجع الشيعي علي السيستاني في صياغة عراق ما بعد الغزو، وفي إدارة التعقيدات السياسية والدينية. وتتبع رواية "عراقي في باريس" لصموئيل شمعون، رحلة الهروب من الاستبداد نحو الغربة، وتحمل ملامح جيل كُتب عليه أن يغادر ليحيا. أما زهراء علي، فتعيد في كتابها "النساء والجندر في العراق" رسم سردية المرأة العراقية خارج إطار المستعمِر والمنظومة الأبوية، بحثًا عن إمكانيات نسوية بديلة. وتأتي رواية "الشماعية" لعبد الستار ناصر، التي تنطلق من لحظة سقوط بغداد، لتغوص في الهزيمة الروحية التي خلّفها الاحتلال، إذ تظهر على صفحاتها مشاهد القتل، والاغتصاب، والانهيار الأخلاقي الذي أعقب الغزو.
هذا العدد ليس عن الذكرى فقط، بل عن وعيٍ تشكّل منها، ومنطقة لم تزل تحاول أن ترى نفسها بعيدًا عن الدبابة وظلالها الممتدة.
دمتم بخير،
رهام عمرو