يحلل طالب كوجوك جان في كتابه "صورة العرب في تركيا: الذاكرة الجمعية، الثقافة الشعبية، الرأي العام"[1] جذور الصورة النمطية للعرب في تركيا الحديثة، ويناقش كيفية تشكلها عبر التاريخ من خلال الذاكرة الجمعية، والكتب المدرسية، والثقافة السائدة في السينما والمسرح التركي. يبدأ بمناقشة السياق التاريخي للعلاقات التركية العربية، مع التركيز على تأثير الإمبراطورية العثمانية وصولاً إلى تأثير هذه الصورة على العلاقات المعاصرة بين العرب والأتراك.
أسيل يابانجي [2]
لم تكن صورة العربي هي الصورة الأكثر إشراقاً في تركيا، فلقد أحاط بها الكثير من التصورات المتناقضة، والتي أثارت التساؤلات حول كيفية تكونها ومصدرها، وعن أسباب تعرض الجار العربي للتجاهل في التاريخ الحديث لتركيا. يركز كتاب "صورة العرب في تركيا: الذاكرة الجمعية، الثقافة الشعبية، الرأي العام" على جذور تكوّن هذه الصورة، والتي تحمل أبعادًا عديدة، تتعلق بالثقافة العربية والصورة النمطية التي أُطر العرب من خلالها في الوعي الجمعي التركي، وذلك من خلال دراسته لكيفية تأثير الذاكرة الجمعية المتوارثة، والكتب المدرسية، والثقافة السائدة في السينما والمسرح التركي.
ويذكر محرر هذا الكتاب طالب كوجوك جان أن الدافع وراء هذه الدراسة هو التاريخ المعقد للعلاقة بين العرب والأتراك، على الرغم من القرب الجغرافي، والتقارب الديني والثقافي واللغوي. كما يهدف إلى الغوص في جذور تاريخ هذه العلاقة لفهم الصراع والتوتر الذي نشأ بين القوميتين، وذلك من خلال تقديم الخلفية السياسية والاجتماعية لهذه الصورة ومقارنتها بصور قوميات أخرى في محاولة لفهم كيف أدت سياسة وأيدولوجيات الحكومات المتعاقبة بعد انهيار الدول العثمانية إلى رسم صورة نمطية متعمدة للعرب في الوعي الجمعي التركي، تناقلتها الأجيال حتى يومنا هذا.
الاستيلاء على التاريخ
لقد استخدمت الدولة التركية بعد انهيار الدولة العثمانية المؤسسات التعليمية ومناهج التعليم الوطنية بوصفها أدوات تعمل على نقل القيم الثقافية وتخلق هوية وطنية مميزة خاصة بعد تأسيس الجمهورية التركية. ويرى الكاتب أن بناء الهوية الوطنية يتطلب وجود مقومات أخرى متناقضة، حقيقية أو متخيلة، لتسهيل التمايز بين الأفراد، وقد أسهمت جوانب مختلفة من التعليم الذي تديره الدولة في تشكيل ديناميكية "نحن في مواجهة الآخر". وقد تأثرت حركة التأريخ التركي بالأيديولوجية الكمالية، وفصلت الدولة نفسها عن الجذور العثمانية والإسلامية لإعادة تعريف الأمة، ورفضت الاعتراف بالآخر لتمييز نفسها، وكان هذا النهج يهدف إلى إضفاء شرعية على القومية التركية العرقية، حيث أعاد هذا النهج التأريخي اتصال الأتراك التاريخي بآسيا الوسطى، مما أضفى شرعية على النهج القائم في تلك الفترة.
العرب كجزء من الهوية العثمانية لا غير
عززت أطروحة التاريخ التركي التي طُوّرت في ثلاثينيات القرن العشرين فهم الهيمنة العرقية التي أضفت السلطة السياسية الشرعية عليها، وتمركزت كتابة التاريخ حول الغرب، وقد أدى هذا النهج إلى غض البصر عن الدول المجاورة لتركيا وتجاهلها في الكتب المدرسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية، خصوصاً العرب، وحصر ذكرهم في سياق تقديم الإسلام للأتراك لا غير. أما في سياق دخول العرب تحت الحكم العثماني، فقد حُذفت الهوية العربية، واستبدلت بهوية عثمانية تشمل دولاً وقوميات متنوعة داخل الإمبراطورية.
ويبدو أن الخطاب السياسي كانت له اليد العليا في تقديم العرب إلى طلبة المدارس، وتوريث الصورة التي تراها الحكومة تخدم أجندتها وتوجهها. على سبيل المثال، في الفترة بين 1930-1946، لم تلق الحضارتان العثمانية والإسلامية في كتب التاريخ المدرسية اهتماماً كبيراً في خلق الهوية الوطنية التركية، أما بعد عام 1980، بدأت الكتب المدرسية بإعطاء أهمية أكبر للتاريخ العثماني والإسلامي. ومع ذلك لا توجد أقسام مخصصة للمجتمعات أو الأمم أو الحضارة العربية في كتب التاريخ المدرسية. بالرغم من ذكر مصر، التي يعكس جزءاً من تاريخها الثقافة والحضارة العربية، بشكل منفصل، إلا أن التركيز كان على سكانها عوضًا عن ذكر أي تماس لها مع العرب. وإن كانت مصر القديمة لا ترتبط بالعرب المعاصرين، فكان من المقبول أن تُذكر مصر الحديثة كدولة عربية وكجزء من الثقافة العربية، وأن يبنى على أساس ذلك صورة للعرب بين الطلاب، إلا أن ذلك لم يحدث.
التركي الذي حضَّر مصر: الأتراك كأساس للحضارة العالمية
في الفصل الثاني من كتاب التاريخ المدرسي الذي كتبه فائق رشيت أونات للصف الأول الثانوي عام 1941، بعنوان "نظرة عامة على التاريخ والحضارة التركية العظيمة"، يبدأ بتاريخ الأتراك في آسيا، يليه ذكر الحضارات الأخرى في وسط البلاد. ويذكر هذا الفصل معلومات عن مصر، التي يُنظر إليها عمومًا على أنها تتمتع بثقافة عربية وسكان عرب. يصف كتاب أونات مصر القديمة، ويذكر خصائصها المناخية وتأسيس دولة متعددة المؤسسات على يد سكانها الذين يصورون على أنهم بدائيون ذوي شعر مجعد لا يعرفون زراعة الأرض. وينسب أونات الفضل لمجموعة من الأتراك جاءوا من آسيا الوسطى، لتأسيس أول حضارة مستقرة حوالي عام 5000 قبل الميلاد. وتصور الرسوم التوضيحية في الكتب المدرسية الأتراك الذين استقروا في مصر، وقاموا ببناء قنوات الري في وادي النيل، وقاموا بالتجارة والسفر عبر نهر النيل باستخدام السفن الصغيرة.
تؤكد هذه الرواية على دور الأتراك في المساهمة في تطور الحضارات، بدلاً من تصوير المصريين على أنهم أصحاب الفضل. وتشير كذلك إلى أنه خلال مملكة مينا (موحد مصر القديمة)، بُذلت جهود لمحو أي علامات على الوجود التركي في مصر. ويستمر هذا الخطاب المتعلق بمصر في الإصدارات اللاحقة من كتب التاريخ المدرسية مؤكداً على الفكرة نفسها، وهو أن الأتراك كان لهم الفضل العظيم في بناء حضارة مصر. إلا انه من الستينيات بدأ تغيير في السردية التاريخية والاعتراف بإسهامات المصريين في الحضارة، إلا أن الفضل يعزى دائما للأتراك الذي جاءوا من آسيا، وجلبوا معهم العلم.
التاريخ الكمالي وإعادة تعريف العلاقة مع الماضي
ويمكن فهم هذا الخطاب التاريخي في سياق نموذج أطروحة التاريخ الكمالي التركي، السائد خلال السنوات التكوينية للدولة التركية الجديدة. إذ عمد هذا النموذج إلى اختراع التقاليد الجديدة التي تهدف إلى الانفصال عن الماضي العثماني وإعادة تعريف العلاقة مع الماضي الإسلامي.
ومثلما تم إعادة كتابة الدور التركي في الحضارة المصرية، فقد كان الأمر على الشاكلة نفسها عند التطرق للتاريخ الإسلامي في الكتب المدرسية. إذ استخدمت أوصاف كمصطلح البدو للإشارة إلى العرب الرحل، وصوّر العرب على أنهم قبائل بدوية أصبحت أكثر تحضراً من خلال تفاعلها مع القبائل الأخرى، والتي كانت غالباً قبائل تركية، واستخدمت عبارة "أكثر أو أقل تحضراً" لوصف العرب، مما يدل على مكانة معينة تنسب إليه. تضمنت الكتابات ووصف المجتمعات العربية أحيانًا مقارنات مع مجموعات دينية وثقافية أخرى مثل اليهود، الذين تم تصويرهم على أنهم مجتمع متعلم ومنخرط في التجارة مما يخلق انطباعًا بتفوق المجتمعات اليهودية على المجتمعات العربية في التعليم والتجارة. مع الإشارة إلى أنه لا يذكر أي دلالات سلبية عند الحديث عن الأتراك مقارنة بالمجتمعات الأخرى. تطرقت أيضا الكتب المدرسية لحياة العرب الاجتماعية ووصفهم على أنهم منخرطون في صراعات لا نهاية لها، ويعتدون على القبائل الأخرى، ويقتلون الأطفال، إلى جانب افتقارهم الملحوظ إلى النظافة. ومع ذلك، يتم الاعتراف ببعض الجوانب الإيجابية مثل حسن الضيافة والنزاهة واحترام كبار السن.
أما صورة المرأة في المجتمع العربي، فقد ركزت الكتب المدرسية عليها من منظور عدم المساواة بين الجنسين، وتفوق الذكور والتقليل من قيمة المرأة، كما يتضح من ممارسة دفن الإناث الرضيعات وهن على قيد الحياة قبل الإسلام. ويتناقض هذا التصوير مع التركيز على حقوق المرأة واحترامها في المجتمع التركي المتجذر في نموذج كتابة التاريخ الكمالي. غالبًا ما تسلط كتب التاريخ المدرسية التركية الضوء على الأدوار المهمة للمرأة في التاريخ التركي، وتصورها كقائدة وحاكمة، حتى قبل اعتناق الإسلام. يهدف هذا السرد إلى إبراز الموقف التقدمي للمجتمع التركي تجاه حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين.
انقلاب 1980 وتغير النظرة
أثّر انقلاب 1980، والتحولات السياسية الناتجة عنه لاحقا على المنظور التركي والإسلامي في تصوير العرب، إذ بدأ يصبح أكثر توازناً وموضوعية، وقُدّم العرب على أنهم أشخاص أذكياء وكرماء، كما تطور عرض الروايات الدينية، وخاصة تلك المتعلقة بالإسلام والنبي محمد ﷺ، بمرور الوقت. في حين أن الكتب المدرسية السابقة كانت تميل إلى استخدام لغة أكثر علمانية وبعيدة عند وصف الأحداث الدينية، فقد اعتمدت الطبعات اللاحقة لهجة أكثر تبجيلًا، ونسبت الفضائل إلى النبي محمد ﷺ. إلا أنه ومع ذلك، جرى التركيز على دور الأتراك كحاملين لراية الإسلام بعد اعتناقهم الدين، وهذا يعكس شعور الفخر والأهمية لمساهماتهم في التاريخ الإسلامي، فسُلّط الضوء مثلاً على علاقة الأتراك بالعباسيين. حيث جرى تصوير العصر العباسي بشكل إيجابي، مع التركيز على القيمة التي ينسبها العباسيون للأتراك. سلط الضوء على العلاقة الوثيقة بين العباسيين والأتراك، حيث عيّن الأتراك في مناصب إدارية مهمة، مما أسهم في نجاح الحكومة العباسية. وتؤكد الكتب المدرسية على أهمية الدور الذي لعبه الأتراك في تطوير عمل الدولة العباسية وازدهارها ونسب الفضل لجهودهم في ازدهار وتطوير مدن مثل بغداد، وهو ما يستدل عليه من تعيين الخلفاء لأشخاص مثل خالد بن برمك وابنه يحيى، في أدوار إدارية رئيسية وذلك في زمن خلافه المنصور وهارون الرشيد.
العرب في حرب الاستقلال التركية: العربي الخائن
وصفت العلاقات التركية العربية في المناهج التركية بكونها مضطربة، مع تثبيت حالات من الخيانة العربية والتعاون مع القوى الأجنبية خلال فترة الدولة العثمانية. ويجري تسليط الضوء على صورة الشريف حسين، سليل النبي، وهو متواطئ مع البريطانيين ضد العثمانيين، مما يسهم في إعطاء صورة عربية سلبية في الروايات التركية. وكان التبرير لإلغاء الخلافة على أنه ضرورة لإنهاء قرون من إراقة الدماء التركية دفاعاً عن المؤسسة، كما صُوِّرت محاولات العثمانيين لحشد المسلمين تحت راية الخلافة خلال الحرب العالمية الأولى على أنها غير مجدية. والجدير بالذكر أن التصوير السلبي للعرب في كتب التاريخ المدرسية التركية لا يعزى إلى السياسات التعليمية فحسب، بل تأثر أيضًا بالخطابات الأوسع في وسائل الإعلام والسياسة التي توارثت هذه الصورة. ويسهم التعزيز المستمر لروايات الخيانة العربية عبر مختلف المنصات في إدامة الصور النمطية السلبية.
العربي: أبيض أو أسود
أما في المسرحيات التركية التقليدية التي سبقت عصر السينما، فقد ظهرت الشخصيات العربية في مسرحيات مثل كاراغوز Karagöz، وهي المسرحيات الأكثر شيوعاً في المجتمع التركي، وغالباً ما تم تصوير مختلف الأعراق داخل الدولة العثمانية، إلا أن العرب يظهرون بنوعين: "آك أراب" (عربي أبيض) و"كارا أراب" أو "زنجي أراب" (عربي أسود). وقد يأتي العربي الأبيض من مدن مختلفة مثل دمشق أو بيروت أو بغداد، وغالباً ما يتم تصويره على أنه تاجر أو راعي جِمال، ويرتدي، عادة، الملابس التقليدية ويغني الأغاني التقليدية. ومن ناحية أخرى، فإن العربي الأسود المسمى عادة "ميرجان آغا" يتم تصويره على أنه غبي، يردد العبارات في حيرة من أمره. وغالباً ما تُصوَّر النساء العربيات على أنهن خادمات.
وتتضمن إحدى الحبكات الشائعة في هذه المسرحيات انخراط شباب عرب وأتراك في معارك وهمية خلال احتفالات الزفاف، حيث يهاجم كل جانب الآخر بشكل متقطع، وغالبًا ما يشتمل التصوير على عناصر كوميدية، مثل البصق على بعضهم البعض، والحديث بلغة غير مفهومة تشبه اللغة العربية. سلطت هذه المسرحيات الضوء على المواضيع المشتركة المتمثلة في الصراع والفكاهة والقوالب النمطية في تصوير العرب في المسرح التركي التقليدي.
أما السينما التركية، والتي تعود أصولها إلى أوائل القرن العشرين، وبسبب قوانين الرقابة التي تحظر تصوير أي جنسية (مواطني دول أخرى) بطريقة مهينة، فقد قدمت السينما التركية بشكل عام الدول الأخرى بشكل إيجابي حتى الثمانينيات، ولكن هذا لا يعني الغياب الكامل للصور السلبية أو النمطية. فقد اختلفت الآراء بين العاملين في السينما حول كيف جرى تصوير العرب والدول العربية، فبعضهم يتجه إلى أن السينما التركية لم تركز على الموضوعات المتعلقة بالعرب، وهذا يعزى إلى توجه تركيا نحو أنماط الحياة الغربية، واعتبار العلاقات التاريخية مع دول المنطقة على أنها شيء من الماضي. ويرى اخرون أن السينما التركية تميل إلى الاقتراب من الجيران الشرقيين، بما في ذلك العرب، بشكل أكثر إيجابية بسبب الأخوة الدينية وأنماط الحياة المماثلة. يسلط المخرج يلماز أتادينيز، المعروف بفيلمه "حفنة من الأتراك في اليمن"، الضوء على العلاقة التاريخية بين الأتراك والعرب، مما يشير إلى أن التصوير السلبي للعرب في السينما التركية قد قيّد من خلال رقابة الدولة.
تصوير آخر شائع للشخصيات العربية في السينما التركية هو الشخصية التقليدية "آراب باجي - Arap Bacı" (الأخت العربية)، التي تعمل كخادمة منزل. وينبع تصوير "آراب باجي" في الأفلام التركية من التوظيف التاريخي للعرب في البلاط العثماني. بعد إلغاء النظام الملكي، سعى العديد من العرب الذين خدموا سابقًا في مناصب قضائية إلى الحصول على عمل مع الأسر الثرية كخدم ومعلمين ومساعدين، وتكوين روابط وثيقة مع أصحاب عملهم. إن تصوير "آراب باجي" في الأفلام، على الرغم من كونه كوميديًا في كثير من الأحيان، كان إيجابيًا في العادة، حيث يصورهم كأفراد أساسيين في الأسرة الذين يعتنون ويرعون أطفال أصحاب العمل.
وبالرغم من المحاولات المختلفة وظهور الشخصيات الدينية العربية في الإنتاج المتعلق بالتاريخ الإسلامي، إلا أنه قد جرى تنميطهم في إنتاجات أخرى، وتصويرهم على أنهم خونة أو أثرياء، ولكنهم جاهلون وشهوانيون، مع شيوع موضوعات مثل العرب والمال، العرب والنساء، والعرب كخدم. وتشير إلى أن هذا التقليد قد يعود إلى الفنون العثمانية مثل كاراكوز (أراجوز) وأورتاويونو،[3] والتي غالبًا ما تصور العرب على أنهم أقل شأنا من الأتراك. ويقارن بعض الخبراء بين النظرة التركية للعرب والنظرة الغربية للأتراك، مما يشير إلى أن السينما التركية ربما عكست التصورات الغربية للعرب كوسيلة لمعالجة مشاعر الدونية أمام الغرب. ويؤيد المؤرخ أدهم الدم هذه الفكرة، مؤكدا أن تصوير العرب في تركيا يشبه تصوير الشرق في الغرب. ويعرب إحسان قابيل، خبير السينما، عن قلقه بشأن التأثير السلبي لمثل هذه الصور، مشيرًا إلى أنها تؤثر في تصورات العرب في المجتمع التركي. ويؤكد ضرورة تحدي هذه الصور النمطية وإدخال المزيد من التوصيفات المتنوعة في السينما لمواجهة التصورات السلبية.
رؤى في التصورات التركية الحديثة للثقافة والعلاقات العربية: تحليل استطلاعي
يكشف الاستطلاع الذي أجراه المحررون في الكتاب عن وجهة نظر مختلفة بين المشاركين الأتراك تجاه الدول العربية، حيث يحمل حوالي ثلثهم موقفًا إيجابيًا، بينما يعبر جزء أخر عن موقف سلبي. ومع ذلك، يبدو الاهتمام بالثقافة والمجتمع العربي محدودًا، كما يتضح من انخفاض التفاعل مع الأدب والموسيقى العربية. ولا تزال الأحداث التاريخية خصوصاً استمرار تصورات الخيانة وانعدام الثقة عاملاً مهماً في ديمومة الصورة النمطية التي جرى توارثها منذ الحرب العالمية الأولى. والجدير بالذكر، أن الجيل الأكبر سناً هو الذي يميل إلى صورة أكثر سلبية عن العرب، ويعزى هذا إلى الخطاب الموجه الذي بُث من خلال الكتب المدرسية، ويميل الجيل الشاب إلى صورة أكثر إيجابية تجاه العرب والدول العربية.
ويظهر الاستطلاع أن هناك دعمًا كبيرًا لتوثيق العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية، مما يعكس نهجا للتعاون الاقتصادي، على الرغم من الخلافات السياسية. في حين يشير الاستطلاع أن المواقف تجاه العرب تعد أكثر إيجابية بشكل عام مقارنة بالأمريكيين واليهود، إلا أن التصورات تختلف بناءً على العوامل الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية. وبشكل عام، هناك اهتمام واعد من قبل الجيل الشاب بتعلم اللغة العربية في حال توفر الموارد. ويؤكد الاستطلاع أهمية السياق التاريخي والتصورات الثقافية والأيديولوجيات السياسية في تشكيل الآراء حول الدول العربية، مع تسليط الضوء على الفوائد المحتملة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين القوميتين.
ومنذ أن تولى حزب العدالة والتنمية السلطة في أواخر عام 2002، فُتحت صفحة جديدة في العلاقات التركية العربية. حيث استبدلت التفاعلات التي اتسمت سابقًا بالتحيزات القديمة والصور المبنية نمطياً وسياسيًا بتفاعلات بناءة في ضوء الحقائق الاجتماعية والسياسية الجديدة. مما يشير إلى أن تركيا قد تخلت إلى حد كبير عن سياستها الخارجية القائمة على التحيزات الوهمية. ومن النتائج الأخرى للتحول النموذجي في العلاقات التركية- العربية، الزيادة الملحوظة في الاستثمارات الاقتصادية لرأس المال العربي - وخاصة رأس المال الخليجي - في تركيا. كما أن العلاقات النشطة مع العالم العربي والزيارات المتبادلة على أعلى مستويات الدولة ومسئوليها، أحدثت تطورات اقتصادية مهمة، وحولت إسطنبول إلى إحدى أهم مراكز رأس المال العربي.