يمثل كتاب "الاستبداد الرّقمي في الشرق الأوسط" الصادر عام 2022 مساهمة نادرة في دراسة المجتمعات الرقمية وصراعاتها في المنطقة العربية. إذ يستعرض فيه مارك أوين جونز الدور المتنامي لوسائل التواصل الاجتماعي كأداة للتضليل الإعلامي والسيطرة السياسية، مسلطًا الضوء على الحملات المنظمة، الحسابات الوهمية، والتقنيات الرقمية المستخدمة في قمع الأصوات الناقدة وإعادة تشكيل الإدراك العام. من خلال استقصاء معمّق، يكشف الكتاب كيف تحوّلت المنصات الرقمية إلى ساحاتٍ للحروب السيبرانية والمصالح الرأسمالية، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الحرّيات والشّفافية في هذا الفضاء الافتراضي.
محمد مصطفى العبسي[1]
يبحث كتاب "الاستبداد الرقمي في الشرق الأوسط: الخداع والتضليل ووسائل التواصل الاجتماعي"[2] في الأروقة المظلمة للسوشال ميديا العربية، بخاصة تويتر،[3] وهي أروقةٌ تنطلق منها معارك وحملاتٌ في غفلة من المواطن العربي مستهدفة بذلك وعيه وإدراكه السياسي.
يغطي الكتاب عددًا من الحملات السياسية الدعائية في خضم ما سُمّي بـ "الأزمة الدبلوماسية القطرية" الممتدة بين عامي 2017 و2021. تواجد مارك أوين جونز[4] أثناءها، كما يظهر في سطور الكتاب، على الجبهة القطرية من الأزمة، وذلك في إطار أبحاثه في جامعة حمد بن خليفة حول الحرب الإعلامية والأمن الإلكتروني أو"السيبراني" في الخليج.[5] قد تبرّرُ هذه الجغرافيا تركيزَ الكتاب على الصناعة السعودية والإماراتية للتضليل الإعلاميّ وللتسلّط السّياسي الرّقمي بشكلٍ شبه حصريّ.
أهميّة الكتاب
تتجاوز الاستقصاءات المطروحة في الكتاب القضايا المتعلقة بمسائل احتفاظ المنصّات بمعلومات مستخدميها وتحليلها. إذ يعمل الكتاب على دراسة وتوثيق ظاهرة الحرب الإعلامية الكاذبة، التي تحوّل فيها مستخدمو السوشال ميديا من (بشر) أفراد فاعلين إلى أقليات مغيَّبة، وسط عشرات الآلاف من الحسابات الروبوتية ومنشوراتها الدعائية والتضليلية، خاصّة في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، تستهدفُ حملاتُ تشهير وقرصنة وترهيب، تقودها جهات أمنية عربية، عشرات الإعلاميين والناشطين والمعارضين. يسرد الكتاب كيف تسهم شركاتُ علاقاتٍ عامّة غربية في تصميم وإدارة هذه الحملات، ويشير أيضًا إلى لامبالاة وتساهل عمالقة السوشال ميديا مع واقع الفوضى الإعلامية والسياسيّة العربيّة، متذرعين بحجة الحياد.
تركيز على السّعودية
تتناول المقدّمة والأبواب الأولى من الكتاب مراحل تموضع دول الخليج العربي، وبخاصة السعودية، على خارطة التأثير الثقافي والسياسي في المشهد الإعلامي العربي. ففي حين اقتصرت استثمارات المملكة، انطلاقًا من حقبة الفضائيات في التسعينيات، على القنوات الترفيهية والدينية مثل أوربت وروتانا وإم بي سي، إلا أن الثورات العربية ودور وسائل التواصل الاجتماعي في انتشارها شكّلت نقطة تحوّل نوعية في تعاطي المملكة مع مسألة التأثير السياسيّ الرقمي. يقوم التحوّل الجذري هذا كما تُظهرهُ استقصاءات الكتاب على سياسة غزو "استباقية لأدوات الإعلام والمنصّات الاجتماعية"، وهيَ سياسةٌ تحوّلت معها السعودية تدريجيًا إلى "قوة تضليلية عظمى Deception superpower"، ليس فقط على المستوى الداخلي والإقليمي، بل أيضًا على المستوى الدّولي.[6]
تعود مراحل التطوّر تلك، بحسب الكتاب، إلى بدايات الربيع العربي، حين دأبت القنوات المملوكة والموجّهة سعوديًا، مثل العربية ووِصال، على تأجيج "خطاب الفتنة الطائفية" (أي الشيعية السنّية) في المنطقة وذلك بحجة صدّ التمدّد الإيراني.[7] برز بعدئذٍ صعودُ الأمير محمد بن سلمان (MBS) وحاشيته إلى موقع القرار السّعودي، واتّباعهم استراتيجيات تضليل رقمية غير مسبوقة تجاوزت الوسائل التقليدية المعروفة للحرب الدعائية. جعل هذا من السّعودية والخليج بشكل عام، بحسب الكاتب، أحد المُصدّرِيْن الأساسيين للكذب السّياسي على المستوى الدّولي، وأحد كبار المصنّعين لما يسمّيه الكتاب بـ "عالم ما بعد الحقيقة"Post-Truth Moment [8].
لمحة عن الدّراسات والاستقصاءات الرّقميّة
تتطلّب عمليات البحث والتوثيق في عالم السوشال ميديا تحديد المواقع الجغرافية التي سُجّلت منها آلاف الحسابات، سواء كانت وهمية أو حقيقية، والتحليل المقارن لنصوص آلاف التغريدات/المنشورات، بالإضافة إلى الخبرة التقنية في البرامج الإلكترونية المستخدمة في عمليات القرصنة والتجسس أو التضليل الإلكتروني. لذلك، يَغْلُبُ في الكتاب البعدُ الاستقصائي التحليلي على البعد النّقدي الاجتماعي في ما يتعلق بإشكاليات ظاهرة السوشال ميديا في العالم العربي.
ينتمي البُعد الأول والغالب في الكتاب، أي "الاستقصائي"، إلى ما بات يُعرف في عالم الصحافة والإعلام بـ" التحقق من الأخبار المشبوهة المتداولة على الإنترنت Fact-checking "وهويّات الحسابات المروّجة لها. من المفيد الإشارة هنا إلى الميدان الاستقصائي الأوسع، المعروف بتحقيقات المصادر المفتوحة (OSINT) والمعني غالبًا بالتحليل "الجنائي" عن بُعد لمقاطع فيديو في مناطق الصراعات التي يصعب الوصول إليها، مثل سوريا، أوكرانيا، غزة، وغيرها. أما البُعد النظريّ للكتاب، وهو الأقلّ حضورًا، فيتمثّل بوضع القارئ أمام حقائق وتساؤلات إشكالية حول واقع ومستقبل السوشال ميديا كـ"مجال للتعبير العام" في العالم العربي، وهو مجال تحوّل بسرعة، في غفلة من الشعوب، من أفقٍ واعدٍ للتحرر والتعبير والثورة إلى مرتعٍ لعمليات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والتضليلية.
إلتباسات الفضاء الافتراضي
قد تكون العديد من الأحداث المشار إليها في الكتاب معروفة للمواطن العربي، مثل اختلاق أزمة الخليج بعد قرصنة حسابات رسمية قطرية (2017)، واغتيال الصحفي السّعودي جمال خاشقجي (2018)، وقرصنة ونشر صور خاصة لمذيعات يعملن في قناة الجزيرة القطرية، وغيرها من الحملات والتجاوزات التي أفرزها احتدام الجبهات الإعلامية والدّعائيّة بين محاور متخوّفة وأخرى مستفيدة من الثورات العربية. مع ذلك، تكمن القيمة المضافة التي يقدّمها الكتاب في تسليطه الضوء على كواليس مظلمة ومجهولة للسوشال ميديا، قد تسهم معرفتنا بها واطلاعنا عليها في قلب فهمنا لها رأسًا على عقب.
بعد التطور الكبير للحرب السيبرانية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهي جميع أشكال الاختراقات الأمنية التي تتيحها التكنولوجيا الإلكترونية للدول أو الشركات بهدف الولوج إلى معلومات جهات معادية أو منافسة، برزت السوشال ميديا كساحات واعدة للحروب الإعلامية والدعائية، مع خصائص جديدة لم توفرها من قبل الأشكال التقليدية للقوة كالحرب والدبلوماسية.
يعدّد الكاتب الخصائص والميّزات التي توفّرها السوشال ميديا كساحة مواجهة جديدة في العلاقات الدولية، ومن أبرزها: "النفاذ المكاني De-spatialization" أي إمكانية الوصول الافتراضي إلى المجتمعات والتي كانت عصيّة في الماضي بفعل الحدود السّياديّة واحتكار الإعلام الحكومي للخطاب وللدعاية السّياسية. "المجهولية Anonymity"، أي إمكانية اختلاق حالات من الفوضى الإخبارية على السوشال ميديا من قبل جهات أمنية واستخباراتية، دون أن يُحدد الأفراد أو الجهات المسؤولة عن تلك الحملات الإعلامية.
تُضاف إلى ذلك جاذبية السوشال ميديا كمساحة للإعلام البديل، حيث مكّنت من ظهور مستويات معرفية جديدة وسمحت للأفراد والمنظمات المستقلّة بممارسة أشكالٍ مختلفة من الصّحافة البديلة. يُشدّد الكاتب في مجمل أبواب الكتاب على أنّ هذه الجاذبية باتت تشكّل سيفاً ذا حدين؛ إذ أنّ الاحتمالات الإيجابية نظريًا للإنترنت وللسوشال ميديا أكسبتها مصداقية مجانيّة وكاذبة.
في الكواليس: ما قد نجهله عن السوشال الميديا
يستعرض الكتاب عددًا من التّحقيقات عمّا بات يُسمّى بالـ "العمليات الإعلامية Information Operations"، وهو تكْييفٌ اصطلاحي لمفاهيمَ كلاسيكية للمواجهات الدولية، مثل العمليات العسكرية أو الاستخباراتية. بمعنى آخر، يظْهر جليًّا مما يوثّقه الكتاب بأنّ السوشال ميديا باتت تفرضُ نفسها كساحة مواجهاتٍ مفتوحة خالية من الضوابط، لا تقلّ أدواتُها احترافيّةً وتعقيدًا عن الوسائل التقليدية للمواجهات الدّولية.
تلجأ "قوى التضليل" إلى تقنيات وحِيَل يعْرفها جيدًا المتخصّصّون والسّياسيون، بينما تغيب غالبًا عن إدراك العامة. وهيَ، دون أن ندري، ظواهرُ افتراضية وهمية، ملازمةٌ ليومياتنا على السوشال ميديا. ومن أبرزها:
ظاهرة الإغراق الإلكتروني Flooding tactics أو العواصف التويترية Twitter Storms: يقوم تكتيك الإغراق الإلكتروني على التّزامن والتنسيق بين نشاط آلاف الحسابات الوهمية بهدف نشر قسريّ لمحتوى سياسي دعائي يُسَيطِر على الترند ويغزو عقول أصحاب الحسابات البريئة والحقيقية. يختلف اللجوء إلى عمليات الإغراق بحسب حاجة غرفة العمليّات، أو حتى حسب طلب الزّبون Tailor information. إذ يقومُ الإغراق إمّا بالتطبيل الروبوتي (أي الوهمي والكاذب) لشخصية استبدادية Astroturfing، أو بهجوم روبوتي جماعي على هاشتاغ مُعارِض بهَدَف حَرْفِ مضمونه Swamping Hashtags وذلك بإغراقه بآلاف الرسائل الموالية للسلطة. تشرف على صناعة هذه التكتيكات أطرافٌ كثيرة مثل: شركات العلاقات العامّة في الغرب التي تعمل لصالح زبائن دوليّين، أجهزة الحرب الإلكترونية التابعة للدول، قراصنة ومبرمجين مستقلّين أو بوساطة برامج ذكيّة تتكفّل بخداع دفاعات منصّات التواصل Automated Targeting Systems وبتشغيل آلاف الحسابات الوهمية كبرنامج دياڤولو(Diavolo .(
ظاهرة الإعلاميين الأشباح
يكشف الكتاب عن مجموعة من الإعلاميين والأكاديميين الذين تمكّنت تحقيقات صحفية متخصصة في الحرب الإعلامية من الكشف عن وهميتّهم. تقف خلف الشخصيات المؤثّرة والوهميّة تلك نفسُ الأطراف المذكورة أعلاه مع فارق في وظيفة الكاتب الشّبح ألا وهو التأثير الرّزين والعلمي في الأوساط الفكرية والعامّية. بلغَ تطوّر تقنية الكاتب الوهمي، كما يذكر الكاتب، بتمكّن بعض هؤلاء الكتّاب (بالأحرى صانعيهم) من النّشر على صفحات مراكز بحثية دولية وفي صحف إخبارية مرموقة قبل أن تتمكن تلك التحقيقات من فضح التزييف، وصولاً إلى حذف منصّات السّوشال ميديا لحساباتهم، وحذف المجلات والصّحف لمقالاتهم.
تجدر الإشارة، كما يَشرح الكتاب، إلى أنّ الشّروط البديهية لنجاح الكاتب الوهمي تكمن في تصميم شخصيّة رقمية له على السوشال ميديا، دعمِه بمتابعين وهميين كُثُر، تزيينه بصورة بروفايل مسروقة أو مُركّبة وبسيرة ذاتية علمية تدعمها المنشورات والكتابات المُوثّقة والحقيقيّة. يشدد الكاتب أيضاً على نقطة تستحق التنويه، وهي أن إدارة العمليات الإعلامية الوهمية أو المصطنعة ليست حكرًا على الأنظمة القمعية، بالرغم من تركيز دراسات السوشال ميديا في الغرب على ريادة الصين وروسيا في مجال الحرب الإعلامية الإلكترونية. إذ تجْمَعُ منظومة التضليل التي يدْرُسها الكتاب مصالحَ رأسمالية واستثمارية وأيديولوجية وقمعية.
على سبيل المثال، تلجأ معظم الشخصيات والأحزاب السياسية، قمعية كانت أم مُنتخبة، إلى شركاتٍ استشارية للعلاقات العامّة، وذلك بهدف تحسين الصّورة أو إطلاق حملاتِ علاقات عامّة. يَذكر الكاتب مثالَ الزيارة الأولى للأمير محمد بن سلمان إلى بريطانيا، حيث غزت صُوَرُه عشرات الواجهات واللوحات الإعلامية في العاصمة لندن. نستطيع إضافة نموذج أسماء الأسد وغيرها من أفراد العائلات العربيّة المُستبدّة لدى نَشْرِ سِيَرِهم(نّ) الحَسَنة والبرّاقة في مجلّاتٍ غربية وذلك باللّجوء كزبائن سياسيّين لشركات علاقات عامة غربية.
الوحش العاقل: ما بين الفوضى السّياسية والكولونيالية الرقمية
يشدّد الكاتب في المقدّمة والخاتمة على ضرورة الإقرار بأُفولِ السوشال ميديا كفضاءٍ عامّ للحريّة والتحرّر، وتحوّلها المخيّب، في العالم العربي بالتّحديد، إلى فضاءٍ مُصدّرٍ للكذب وإلى أداة حكومية طاغية للتضليل الإعلامي.[9] قد يبدو هذا المنظور مُفرطاً بالتشاؤم، خاصّة إذا استذكرنا مساهمةَ الإنترنت والسوشال ميديا في صياغة وجهٍ ثوري تأسيسي لَمْ يشْهَدْه أو يختبره من قبل المشهدُ الشعبي العربي. إلّا أنّ الواقع المعرفي والسّياسي والنّقدي الذي طغى في المنطقة العربية بعد مرور أكثر من عقد على الرّبيع العربي يبرّر هذه السّلبية. فمع تحوّل السوشال ميديا إلى واقع يوميّ من الاستهلاك المفرط لدى المواطن العربي، بات هذا الاستخدام يتزامن مع أزمات سياسية لا تنتهي وسط فوضى معرفية وإعلامية أصبحت السمة الأبرز لهذه المنصات. فغياب سرديّاتٍ وطنية أو إقليمية متماسكة، وانتصار مؤسسة النّظام على مؤسّسة الدّولة، وانتشار السّلاح والعنف والميليشيات باتت كلّها ترسُم مشْهداً غير مسبوقٍ من الفوضى، أي حيث "تنتصر الوحوش".
من هنا، فإنّ استخدام مفهوم الوحشية في الفضاء الرّقمي يبدو مثيرًا للاهتمام في الكتاب، إذ يستعمله الكاتب لوصف عمالقة التكنولوجيا الغربية Big Data Behemoths، و"قطّاع الطّرق الرقميين" من الأنظمة العربية The Biggest Cyberbullies، أي المسيطرين على المشهد الاستبدادي الرّقمي.
بعكس الحال في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تَسْرح وتمرح شركات التكنولوجيا العملاقة في المنطقة العربية دون منظومات تشريعية تُسائِلها أو تَلجم صعودها.[10] فعلى سبيل المثال، قد يتأخّر تويتر في تعليق أو إلغاء عشرات الآلاف من الحسابات الروبوتية أو الوهمية، وذلك بعد أن يكون نشاطُها المُتزامن والمُنسّق قد أدى دوره الإعلامي، مخرِجًا عملية التعاطي مع توثيق الخبر والحدث عن السيطرة. إلّا أنّ ما يُحجم عنه تويتر وغيره من المنصّات، كما يكشِفهُ الكتاب، هو تحصين نفسه من النشاط الروبوتي ومن حملات الدعاية أو القمع السّياسي.
تُحجِم وُحوش الداتا، كما يُسمّيها الكاتب، عن الاكتراثِ بمصائر المعرفة والحرّيات والحقوق في المنطقة العربية، إذ أنّها تجسيدٌ جديد ومعاصر لمنطق الوحشية الرأسمالية، الرّبحية والتّوسّعية. في حين تُمعِنُ وُحوشُ الاستبداد العربية في إغراق السوشال ميديا بمواطنين روبوتيين نموذجيين، أي مُذعِنين ومُؤيّدين، وسط نَشاط مفرط لمجتمعات افتراضية بات يستحيل تمييز الحقيقي فيها من الوهميّ.
من هُنا تبدأ الأهمّية النظريّة للإشكاليات التي يطرحها الكتاب، حيثُ يُشير الكاتب إلى مفاهيم نقديّة جديدة مثل الكولونيالية الرقمية والاستشراق الرّقمي.[11] تُناقِش الكولونيالية الرّقمية الطابع الاستباحي، أي الاستعماري، لتمدّد عمالقة الدّاتا في أدمغتنا، إِذ نجحت الأخيرة في التنقيب في سلوكياتنا وردود أفعالنا واستخراجها، مُحَوّلة أفكارَنا ورغباتِنا ونزواتِنا إلى موادّ أوليّة وموارد رأسمالية.[12] في حين يستدعي مفهوم الاستشراق الرقمي مسألة إعادة إنتاج الهامشية والاستلاب المعرفي التي قامت عليها علاقة الطرف بالمركز، أي الشرق بالغرب، منذ بداية الحقبة الاستعمارية.
فهل نحن مُقبلون على عصرٍ رقميّ تُهزم فيه الشّعوب من جديد، ليس باستباحة أرضها ومقدّراتها، بل باستعمار أذهانها وآلياتِ إدراكها؟