تتناول هند الشوبكي في كتابها "ضحايا الحرب والحق في المدينة: من دمشق إلى الزعتري" مفهومي "الحق في المدينة" و"إبادة المدن" في سياق النزوح وإعادة الإعمار بعد النزاع. وتحلل تجارب اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري في الأردن والعائدين إلى دمشق في سوريا مستعرضةً لأوجه التشابه والتناقضات بين هاتين الحالتين. كما تتطرق إلى مفهوم "المدينة المؤقتة" كاستجابة لتحديات النزوح الجماعي والحاجة إلى تخطيط حضري مستدام في أعقاب الحرب والعنف.
موفّق الحجّار[1]
بالحديث عن الحق في المدينة تظهر أسئلة متعلقة بتعريف المدينة وبعناصرها التي تبدو واضحة وبيّنة، إلا أنها لا تقل تعقيداً عن المجتمعات التي تقطنها وتعيش بداخلها؛ فليست المدينة، سوى إعادة تشكيل للعالم الذي عاش به الإنسان. وهي شكلُ الحياة التي يريد أن يعيش، وانعكاس لما يريد أن يصير. وإن كل محاولة جديدة لإنتاج المدينة، هي أيضاً إعادة إنتاج للإنسان الذي يعيشها. وبالتالي، فإن نوعيّة المدينة التي يريد الإنسان أن يسكنها، هي مسألة غير منفصلة عمّا يريد أن يكون، وعن أنواع العلاقات الاجتماعية وأنماط الحياة التي يسعى إليها، وعلاقتها بالمحيط البيئي وقيمها الجمالية.[2]
ارتكز المفكر الفرنسي هنري لوفيفر، الذي قدّم مفهوم الحق في المدينة، على التجربة اليومية لساكني المدينة، مع التركيز على قيمة الاستخدام عوضاً عن قيمة التبادل. إيماناً بأن النضال من أجل الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يدور في فضاء المدينة[3] وعليه يمكن تعريف الحق في المدينة على أنّه الحق في تغيير وإعادة إنتاج المدينة وفقاً لرغبات وطموحات سكّانها.
تحاول هند الشوبكي في كتاب "ضحايا الحرب والحق في مدينة من دمشق إلى الزعتري"،[4] التطرق إلى الحق في المدينة من خلال الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالفضاء الحضري لسكّان مخيم الزعتري في الأردن من اللاجئين السوريين، ودراسته بالتوازي مع الفضاء الحضري للعائدين إلى مدينة دمشق في سوريا. ومن خلال هاتين الحالتين، تنظّر الشوبكي لمفهوم "المدينة المؤقتة" انطلاقا من مبدأ حق ضحايا الحرب في (الـ)مدينة،[5] كما تستعرض مفهوم "إبادة المدن- Urbicide" من خلال تقسيمها إلى إبادة حضرية مباشرة (Direct Urbicide) وغير مباشرة (Indirect Urbicide) مع إجراء دراسة مقارِنة للاستفادة منها في التخطيط العمراني المستدام.
يقترح الكتاب نهجاً تكاملياً لتخطيط "المدن المؤقتة"، كما سمتها الشوبكي بالاعتماد على مقاربة "التخطيط الحضري التكاملي في حالات الطوارئ". وتعتمد منهجية البحث على دراسة الأدبيات العلمية والوثائق الحكومية، وتحليل بيانات النزاع، مع إجراء سلسلة من المقابلات مع اللاجئين وغيرهم من المختصين والخبراء من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والجهات الفاعلة في إعادة الإعمار في سوريا. وتقترح النتائج سياسة عمرانية لبناء مدن قادرة على التعامل مع التدفقات السكانية المفاجئة في حالات النزوح وإعادة الإعمار بعد الحرب. حيث يقدم الكتاب إطاراً مفاهيمياً لإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب، بالتركيز على الفروق والتأثيرات الناجمة عن الحالتين -المؤقتة والدائمة- في التخطيط العمراني.
المدن المعلّقة، والتجسيد العمراني لحالة الاستثناء
يصف المفكّر الإيطالي جورجيو أغامبين مخيمات اللجوء بأنها تمثل بجوهرها مفهوم حالة الطوارئ ومن هذه الحالة الطارئة التي تتركز في مفهوم المخيم،[6] تنطلق الشوبكي بوصفها للمخيمات على أنها مدن طارئة، مؤقتة ومعلقة دون أجل مسمى؛ أي أنها مدن بتواريخ صلاحية، ومجهولة المصير. ومن ذلك تسأل عن إمكانية الاستفادة من هذه المدن، لكونها لا تتوقف عن النمو لتتحول إلى أحياء فقيرة متداخلة مع النسيج العمراني للمدن المجاورة وبالتالي مؤثرة عليها في مختلف النواحي، ولا سيّما في عصر المخيمات غير المنتهية.[7]
تستعرض الشوبكي، إشكالية الخصائص المؤقتة للمخيمات بشكلها الحالي، بالارتكاز إلى أن للمخيمات أعمارًا مختلفة قد تتجاوز 3 أجيال أو أكثر، وبالتالي لا بدّ لها من أن تؤثر في النسيج العمراني المحيط بها، وخصوصاً بكونها أحياء (تشبه المدن) فقد اعتبر العديد من الأكاديميين ومصممي المدن مخيمات اللاجئين بيئة حضرية ناتجة عن الحياة السياسية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية، وبالتالي فإنها تؤثر في الهوية الحضرية المحيطة.[8] ومن هنا تؤكد أهمية تحويل هذه المخيمات (أو المدن المؤقتة) إلى مدن بعناصر عمرانية مستدامة. مع الإشارة إلى أن استراتيجيات تخطيط المخيمات الحالية منفصلة عن السياق التي تعمل به، أي أنها تتعامل مع جميع الأزمات والطوارئ بالصورة ذاتها، ما يؤدي إلى إهمال علاقة المخيم (المراد تخطيطه) بالنسيج الحضري للمدن المحيطة وباحتياجات ورغبات وطموحات السكان (اللاجئين) الذين سيشغلونه.
يقدم الفصل الأول فرضيته من خلال الإحالة إلى مخيم الزعتري في الأردن بكونه رابع أكبر مدينة في المملكة الأردنية، وثاني أكبر مخيم في العالم، وتشير الكاتبة إلى ضرورة العمل بمنهجيات تخطيط تعمل وفقاً للسياق المحدد للأزمة والنسيج العمراني والعنصر البشري مع التركيز بشكل أساسي على عامل الاستدامة في جوهر هذا التخطيط.
من جهة أخرى، تناقش الشوبكي إشكالية التضخم السكاني المفاجئ في حالات الطوارئ مع ذكر دمشق كمثال على تأثر النسيج العمراني والبنية الاجتماعية فيها نتيجة النزوح الداخلي الذي حدث منذ عام 2012. وتستعرض في هذا الغرض نماذج مختلفة تعاملت مع أزمات متنوعة، من زلزال لاكويلا في إيطاليا وتوفير السكن الانتقالي، أو حالة سالونيك في اليونان وتوفير السكن البديل، أو حالة المخيمات في الأردن وتوفير السكن المؤقت.
ناجون في مدن قتيلة – الإبادة والحق في إعادة الإعمار
في الفصل الثاني من الكتاب، تقدم الشوبكي لمفهوم "إبادة المدن- Urbicide" أو العنف ضد النسيج العمراني للمدن، من خلال تقسيمه إلى إبادة حضرية مباشرة (Direct Urbicide) تعرضت لها المدن السورية على إثر "الحرب الأهلية"، وإبادة حضرية غير مباشرة (Indirect Urbicide) تتسبب بضرر جسيم وغير مقصود، للنسيج الحضري للمدينة وسكانها بسبب استخدام استراتيجيات تخطيط ضعيفة وغير مناسبة. ونتيجة لذلك، تواجه المدن مخاطر جمّة بسبب البنية التحتية المتدهورة وغير المناسبة، مما يؤدي إلى نشوء أشكال حضرية دخيلة.
بالحديث عن الإبادة المباشرة للمدن السورية، تطرح الشوبكي مفهوم تركيم سوريا "Rubblization" توصيفاً للحالة العمرانية التي تعصف بالمدينة السورية، وتجدر الإشارة هنا إلى اختلاف مفهوم "التركيم" عن استراتيجية الأرض المحروقة (العسكرية بالأساس) التي تهدف إلى تدمير البيئة المبنية أو البنية التحتية أو كل ما يفيد العدو، مثل الأسلحة ومركبات النقل ومواقع الاتصالات والموارد التقنية. بينما يهدف فعل التركيم، كما يتضح من الاسم، إلى تحويل البيئة المبنية إلى ركام.[9]
أما على صعيد الإبادة غير المباشرة المتعلقة بمخيمات اللاجئين، فهي مرتبطة بالعنف غير المرئي تجاه المدينة، حيث لا يوجد مبان مهدمة، وبنى تحتية مدمرة، لكن يظهر "العنف" بمعنى "الدمار" في عملية البناء واستراتيجيات التخطيط قصيرة المدى للتسوية المؤقتة في حالات الطوارئ، والتي تتحول مع مرور الوقت إلى عوامل خارجية قادرة على توليد تعديلات عميقة في البنية المكانية للمدينة، وتشكيل هوية جديدة، وتغيير شكل المدينة وتاريخها. وبالتالي، فإن هذه الظاهرة معنية بالتأثير طويل المدى لمخيمات اللجوء على النسيج الحضري بتحولها إلى مساحات مهمشة ومهملة غير مخططة ودون أي ارتباط تاريخي وثقافي وتخطيطي بالنسيج الحضري للمدينة.[10]
تتطرق الكاتبة أيضاً إلى المقاربات المستخدمة في إعادة الإعمار بوصفها قاصرة وجامدة وخصوصاً في التعامل مع المدن التاريخية، التي تتطلب جهوداً إضافية في إعادة الإعمار لحفظ التراث فيها. وتشير إلى أن عملية إعادة الإعمار الناجحة ما بعد النزاع، تتطلب فهمًا عميقًا للبيئة السياسية، وتنسيقًا فعالًا بين مجموعة واسعة من أصحاب القرار في المجتمع. إلى جانب ذلك، تتطلب عملية تشاورية بين الأطراف المختلفة بما يساعد على تقديم مقاربة مستدامة وأكثر فعالية وهي ما تسمّيه الشوبكي بالمقاربة "المتسقة" (المرتبطة بسياق المدينة المراد إعادة إعمارها على مختلف المستويات). ولذلك تستدعي الكاتبة منهجية التخطيط التكاملي لدراسة إمكانية تطبيقه في الحالة السورية في دمشق وفي مخيم الزعتري.
تقوم المنهجية التكاملية على الانتقال من التخطيط التقليدي لاستخدامات الأراضي إلى التخطيط الاستراتيجي والتحول من الحل المادي للمشكلات الاجتماعية في التخطيط التقليدي إلى الخطط الاستراتيجية التي تعمل من خلال خطوات قصيرة المدى (تكتيكات استراتيجية)، وتحديد أنشطة أصحاب المصلحة لمناقشة أسباب التغيرات المكانية واقتراح الحلول المناسبة. وقد طور الماليزي سوهارتو تيريمان نموذجًا لنهج التخطيط المتكامل الذي يتضمن ثماني خطوات:[11] (1) إعادة تحديد المشكلات في مجالات البيئة والمجتمع والاقتصاد والمؤسسات؛ (2) إعادة النظر في الأهداف والغايات؛ (3) إعادة تقييم البدائل؛ (4) إعادة تقييم الخيارات؛ (5) جدوى التطوير؛ (6) البناء؛ (7) الإكمال/التسليم؛ و(8) الاستخدام.
فمن المنظور "التكتيكي" الاستراتيجي، تعتمد المنهجية على عاملي الزمان والمكان، وبالتالي تركز على أفضل طريقة لتنظيم "الجداول الزمنية" (قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل) وتنظيم "النطاقات المكانية". مع التركيز على مشاركة الجهات المحلية الفاعلة والمواطنين في عملية التخطيط وصنع القرار مع استثمار فعال في الموارد المتاحة وفي إطار زمني محدد.
المدن في حالات الطوارئ – المشهدية العمرانية لدمشق والزعتري
لا بدّ للعمل على منهجية تخطيط تكاملية في دمشق من الإحاطة بالتحولات التاريخية العمرانية التي شهدتها المدينة، فقد تغير الشكل الحضري لدمشق على مر القرون؛ حيث يمكننا ملاحظة نسخ متراكمة من الطبقات الحضرية، من دمشق القديمة التاريخية (5000 قبل الميلاد – 64 قبل الميلاد)؛ ودمشق الإسلامية (635 – 1516)؛ ودمشق العثمانية (1516– 1916)؛ ودمشق تحت الانتداب الفرنسي (1916-1948)؛ ودمشق بعد الاستقلال في ظل حكم البعث الاشتراكي (1948-1963)؛ بالإضافة لمخطط إيكوشار (السبعينيات)؛ ودمشق الحضرية (1982-2012)؛ ودمشق في ظل الحرب (2012-حتى الآن).
تلك المدينة التي بدأت بنمط هندسي كلاسيكي (حاد الزوايا) تحولت إلى شكل عضوي مدمج في العصر الإسلامي، ثم تأثرت بالعمارة الأوروبية ، ووضعت مخططاتها الحضرية في عصر مصطفى رشيد باشا.[12] فعلى سبيل المثال، في عام 1894، تم تنفيذ أول حي سكني مخطط مسبقاً في ظل الحكم العثماني وهو "حي المهاجرين" لإيواء اللاجئين المهاجرين إليها. كما شهدت المدينة توسعاً من حيث المساحة بنسبة 25% من أسوار المدينة القديمة جنوباً باتجاه "الميدان" وإلى الشمال والشمال الغربي على طول طريق "ساروجة"، نظراً لمكانتها في تلك الفترة على طريق الحج. وصولاً إلى المخطط الرئيسي لدمشق عام 1986 الذي ربط بين مختلف المكونات التاريخية والهيدرولوجية والديموغرافية ونتيجة لذلك، تطور التوسع إلى جنوب غرب دمشق، ومنطقة المزة.
أما دمشق العشوائيات، فهي نقطة أساسية في أطروحة الكتاب لفهم الصعوبات الموجودة في عملية إعادة إعمار سوريا، ودمشق والعنف المباشر وغير المباشر المؤثر على نسيجها. وتشير الشوبكي إلى أن النمو السكاني الملحوظ خارج حدود المدينة القديمة، تفاقم بعد عام 1950 بسبب تدفق اللاجئين الفلسطينيين الذي أثر بشكل عميق على النسيج الحضري للمدينة، وأدى إلى تشكيل المجمعات السكنية غير القانونية. وقد أدى هذا التفاقم وغيره بين عامي 1981 و1994 إلى وصول نسبة السكن العشوائي إلى 67%، كذلك تفاقمت بعد عام 2002 مع قدوم اللاجئين العراقيين واستقرارهم في منطقة جرمانا التي ضمّت أكثر من 13 مجمع سكني غير قانوني.[13] أما في سنوات "الحرب" الأولى، فقد زادت نسبة المخالفات العمرانية غير الرسمية بين عامي 2011 و2013 وخاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام مثل: القابون، جوبر، حرستا، عربين، دوما، الغوطة. والأرياف الجنوبية مثل داريا وكفرسوسة وببيلا ومخيم اليرموك. وقد تعرضت دمشق لموجات نزوح داخلي تحديداً خلال فترة سيطرة تنظيم داعش على منطقة الجزيرة بين عامي 2014 و 2018.[14]
نظرة على قوانين التنظيم في سوريا
تستعرض الشوبكي في الفصل الثالث من الكتاب القوانين السورية في البناء، لتفحص الفجوات الموجودة، من خلال عدة قوانين، ومنها: "القانون رقم 10" الصادر عام 2018، والذي يسمح بمنح عقود إعادة الإعمار للمستثمرين السوريين والدوليين، وتعويض المواطنين على شكل أسهم في المناطق التنظيمية. وتُظهر هذه القوانين -بالنسبة للشوبكي- مستويات عالية من الظلم الاجتماعي، وهو ما يبدو واضحاً في مشروع "ماروتا سيتي" الذي يفتقر إلى الهوية، والارتباط الثقافي والتاريخي مع مدينة دمشق.[15]
بالنسبة للشوبكي، تبدو الإشكالية في قوانين إعادة الإعمار السورية، من خلال تجاهل أهمية المشاركة المحلية وتجاهل الجوانب الاجتماعية والثقافية، وغياب العدل في تقديم التعويضات وإعادة الإسكان، فعلى سبيل المثال، يشكل القانون رقم 10 عبئاً على اللاجئين والنازحين داخلياً في إثبات ملكيتهم؛ لأنه يتطلب إجراءً محدداً للمطالبة بملكيتهم. من جهة أخرى تهمل الخطط السورية الخلفية الاجتماعية والثقافية الدمشقية في موضوع تحديد المنطقة المستهدفة لإعادة الإعمار بالاعتماد على التحولات الاقتصادية.
وقد بيّنت الشوبكي في تحليل المشهد الحضري لدمشق بعد الحرب والنهج السوري في البناء، من خلال دراسة وتقصي حيازة الأراضي وقوانين التخطيط المكاني ومراسيم إعادة الإعمار، وجود العديد من الفجوات في قواعد إعادة الإعمار والبناء الحالية والسابقة في سوريا من حيث حجم المشروع ونطاقه والجدول الزمني. كما يتضح غياب الخطة الاستراتيجية الشاملة القادرة على تلبية احتياجات المجتمع وأهدافه وتطلعاته.
الزعتري وشارع الشام إليزيه
أطلق الباحثون والعلماء على مخيم الزعتري توصيفات عديدة اجتمعت على أنه مدينة باختلاف توصيفها فهو "المدينة السورية في المنفى" عند الماخذي،[16] و"المدينة المؤقتة" للشوبكي وززارة.[17] وينقسم إلى شارعين رئيسيين وهما شارع الياسمين وشارع السوق المعروف باسم الشام إليزيه، والذي يضم المحلات التجارية والمطاعم الصغيرة والمحلات.[18]
وتشير الباحثة إلى أن تخطيط المخيم الحالي يندرج في مساحة وسطى بين هوية المخيم التقليدية التي تعكس ظروف الحياة الصعبة، والهوية غير التقليدية التي تعكس قوة اللاجئين في إعادة إنتاج مساحاتهم الخاصة والعامة. كما تشير إلى أن تزايد سكان المخيم، يتطلب تخطيطاً حيوياً لإدارة متطلبات اللاجئين وتقليل الآثار الحضرية العنيفة على محيطه العمراني والهوية الثقافية والحضرية له.
التخطيط الحضري التكاملي في حالات الطوارئ
يقدّم الفصل الأخير من الكتاب أطروحة العمل البحثي باقتراح التخطيط التكاملي في حالات الطوارئ، ضمن ثلاثة مجالات رئيسة، وهي المجال المكاني، مجال التشخيص والتقييم، ومجال المعايير الفنية وقوانين البناء. حيث يعتمد المجال المكاني على ضرورة مراعاة النسيج الحضري القائم قبل التخطيط في حالات الطوارئ. أما المجال التشخيصي، فهو أداة تقييم عملية للتحديات التي تواجه مسألة إعادة توطين اللاجئين والعائدين، في حين يمثل مجال المعايير الفنية وقوانين البناء، مجموعة القوانين الضرورية للعمران المستدام في حالات الطوارئ. وبالنظر إلى صعوبة الحالتين المطروحتين (دمشق والزعتري) من غياب السلم، والموارد المالية، والقوانين التنظيمية والأبعاد الاجتماعية (التغيرات الديموغرافية السورية والصراع الاجتماعي) والأبعاد التاريخية الثقافية والمدة الزمنية الكبيرة المطلوبة؛ تقترح الكاتبة نموذج التخطيط التكاملي في حالات الطوارئ (UEIP)[19] كآلية مرنة ومستدامة، ومسؤولة اجتماعيًا عن تحسين نوعية حياة المواطنين وتوفير الظروف المعيشية المثلى للأجيال الحالية والقادمة.
تقوم هذه المنهجية على مجموعة من الخطوات تشرحها الشوبكي باستفاضة، بدءاً من تقييم الأضرار المكانية وتحديد احتياجات ضحايا الحرب. ثم التخطيط ضمن إطار زمني محدد للحفاظ على المشاركة النشطة للسكان النازحين والعائدين. ثم الانتقال إلى المرحلة الأخيرة وهي تفعيل إعادة الإعمار. وتقترح الشوبكي ضرورة إعداد تقييم سياق الموقع وتقييم احتياجات اللاجئين بأقل وقت ممكن. إذ لا ينبغي في هذه المرحلة بناء أية مخيمات، وإنما استخدام استراتيجية السكن البديل مثل المباني الشاغرة وغيرها من الهياكل العامة. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التنظيم، وتنقسم إلى خطوات فرعية: الأولى تنظيمية وإدارية متعلقة باستحداث لجان مختصة بالتخطيط، بينما تتقاطع الخطوة الثانية مع مرحلة التشخيص، وتستمر في تطوير الأنظمة المناسبة النابعة من احتياجات اللاجئين وتطلعاتهم. في حين تنظم الخطوة الثالثة مرحلة الطوارئ من خلال تشكيل مجموعات فنية وتشغيلية وتخطيطية تعمل مع اللاجئين قبل بدء المرحلة الأخيرة وهي تفعيل إعادة الإعمار.
خاتمة
قدّم الكتاب دراسة تحليلة مقارنة لظاهرة المدن المؤقتة، والعنف الحضري الذي تشهده بعض المدن العربية، والذي يعتبر اليوم واقعاً ملموساً وحاجة ملحة لتحسين واقع اللجوء والمحافظة على النسيج العمراني للمدن المستضيفة، دون إهمال العنصر البشري، واعتماد إشراك اللاجئين كفاعلين أساسيين في إنتاج أماكنهم الجديدة، سواء في مدن اللجوء أو في مدنهم الأصلية المدمرة.
وقد تعرضت الكاتبة لذلك من خلال استعراض مفهوم الحق في المدينة، ومفهوم إبادة المدن، بالاعتماد على بيانات مختلفة المصادر، إلا أنّ هذه الدراسة تفتح لنا أسئلة مختلفة على مستوى فهم ظاهرة اللجوء، خارج إطار المخيم التقليدي (الزعتري مثالاً) للسؤال عن لاجئين سوريين يعيشون لجوءهم داخل النسيج الحضري للمدن المستضيفة، ولكن ضمن مساحات مؤقتة أيضاً (كما في ماليزيا حيث يعيش اللاجئ السوري داخل النسيج العمراني للمدينة في المركز وفي الهامش، أو في تركيا التي أيضا يندمج فيها اللاجئ مع المدينة، أو مثلا في هولندا وألمانيا، عبر مرحلة "الكامب (المخيم) الذي لا يشبه المخيم التقليدي من ناحية جودة البنى التحتية، إلا أنه يبقى مخيماً بشروط خاصة به"). من جهة أخرى، تطرح منهجية التخطيط التكاملي أسئلة جادة على أصحاب القرار الأساسيين ودورهم في عودة/لا عودة ومشاركة/ لا مشاركة اللاجئين في إنتاج مدينتهم (عمرانياً)، فهم على أي حال ينتجون فضاءها – كما أشار هنري لوفيفر - بقدر ما هو ينتجهم وينتج طموحاتهم ورغباتهم.